«الإصلاحات» العرجاء..  وجدية المعركة العراقية

«الإصلاحات» العرجاء.. وجدية المعركة العراقية

كما درجت العادة في أغلب الساحات الشاهدة على ارتفاع منسوب الحركة الشعبية، تبرز ورقة «الإصلاح» كأولى خطوط الدفاع التي تلجأ إليها الطغم الحاكمة عادة، لتتجنب نيران الشارع المصوبة نحو فسادها. رغم ذلك، لم يمانع العراقيون نوايا الإصلاح المعلنة في البداية، لكنهم ثبتوا في حراكهم، وعلى مطالبهم التي تجاوزت محاولات تمييعها من جانب السلطة.

بحكم التجربة الطويلة للعراقيين مع نظام التحاصص المرسَّخ أمريكياً، ينفض العراقيون أيديهم عملياً من وعود «الإصلاحات» التي تطلقها السلطة «الحاكمة» شكلاً والتابعة مضموناً. حيث تدل البنية السياسية العراقية على عمق الأزمة التي يعيشها العراقيون، وبالتالي على مدى ضرورة استمرار الحراك الشعبي الواقف في وجه السلطة التي استنفدت فرص بقائها، لاسيما في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية، وما يرافق هذه المتغيرات من تصاعد في مستويات الحراك الشعبي عالمياً.

حلول من صلب  منظومة التحاصص!

بالنظر إلى ورقة الإصلاحات التي طرحها العبادي، والتي جرت المصادقة عليها من المجلس الوزاري بالإجماع، يمكن تلمس مدى سطحية هذه «الإصلاحات» ولاجذريتها. إذ لم تمس الورقة أياً من رؤوس الفساد الكبير المرتبط بالخارج بشكل معلن، والمفارقة أنه حتى خصوم العبادي الداخليين، أي أقطاب «الطرف الآخر»، بقوا بمأمنٍ عن «إصلاحاته»..! ما يؤكد على وحدة نظام التحاصص، رغم التناقضات الثانوية بين رموزه.

ورغم سطحية الطرح الذي حملته الورقة، وعدم تعرضها لأبسط حقوق الناس، إلا أنها لاقت العديد من العراقيل التي حالت دون تطبيقها جدياً، ودخلت في سراديب الأخذ والرد التي تتقنها أنظمة التحاصص جيداً. فمع إعلان نية العبادي إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية، ونواب رئيس مجلس الوزراء، ساد هرج ومرج داخل منظومة الفساد، إذ هاجمها النواب، من بوابة أن مناصبهم منصوص عليها في الدستور، ليعقب ذلك، تهديد بعض نواب البرلمان بسحب تفويضهم للعبادي بخصوص تنفيذ حزمة الإصلاحات المطلوبة. 

حسابات أخرى للشارع

تحمل الشعارات المطروحة في الشارع العراقي سقوفاً أعلى بكثير من نوايا «الإصلاح» المطروحة حكومياً. فالحراك، حتى اليوم، يضع المنظومة نفسها في مرمى شعاراته، على الرغم من تمرس الكتل الطائفية، منذ وقت بعيد، في تحييد مساعي التغيير الحقيقي، على أرضية الشعار سيء الذكر «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، وباستخدام الانقسامات العمودية داخل المجتمع العراقي. إلّا أن الأخير تخطّى بمراحل إمكانيات الاختراق الاعتيادية التي من شأنها حرف مسار تطوراته، غير متناسٍ صعوبة المهمات الملقاة على عاتقه، واستمرار مساعي التأريض والالتفاف الحكومي على المطالب الشعبية المحقة.

وإذا كانت المتغيرات الدولية والإقليمية تنعكس في المنطقة معركة جدية ضد التنظيمات الإرهابية، تتبين معالمها بشكل واضح اليوم، فلا شك بضرورة وجود حوامل عراقية لهذه المعركة، لاسيما أن العراق لم ينفك يشكل إحدى أهم الدول التي نشطت فيها مثل هذه التنظيمات. وهو ما يؤكد، بطريقة أو بأخرى، أن البدء بتحرير الأرض من هذه التنظيمات، لا بد أن يتوازى مع تغيير سياسي يبدو أن المنطقة ليست ببعيدة عنه اليوم.