نجاة العراق.. رهن الإجهاز على مفرزات الاحتلال
فؤاد هنداوي فؤاد هنداوي

نجاة العراق.. رهن الإجهاز على مفرزات الاحتلال

يجري الجيش العراقي، بمساندة من القوات الحليفة له، مجموعة من العمليات العسكرية الهادفة إلى استعادة السيطرة على الرمادي، بالتوازي مع استكمال تلك العمليات حول مدينة الفلوجة المتاخمة للعاصمة بغداد.

بعيداً عن الطابع العملياتي لمحاربة «داعش» في العراق، وهو البلد الذي نال حصته من الآثار الكارثية لمرحلة القطب الأمريكي الأوحد على الصعيد العالمي سابقاً، تتزايد اليوم، نظراً للمتغيرات الدولية والإقليمية، إمكانية انضمام العراق إلى قافلة الدول التي ستطالها عملية التفلت من الهيمنة الأمريكية.
اتفاقات وخلافات تحت سقف واشنطن
على طول الخط، عملت واشنطن على الربط ما بين الجبهات في منطقتنا، في إطار مشروعها الرامي إلى زيادة تعقيدها، وتأخير الحلول المطلوبة في كلٍّ منها. وهو ما انعكس عراقياً، بتعنتٍ واضح وعرقلة تبديها منظومة التحاصص ذات الطابع الطائفي، التي رسختها الولايات المتحدة في إطار الإجهاز على البلد، وتعزيز انقسام شعبه عامودياً، في كل مرة يجري فيها الحديث عن القضايا الاقتصادية الاجتماعية والوطنية.
من هذه الزاوية بالذات، يجدر التعاطي دائماً مع نظام التحاصص في العراق، بكل الفئات المشاركة فيه والمستفيدة من طبيعته، بوصفه نتيجةً مباشرة لفترة الاحتلال الأمريكي، هذا الاحتلال الذي لا يستفيد من حالة التوافق الضمني بين الفئات المشاركة في عملية التحاصص فحسب، بل كذلك من الخلافات الظاهرية بين أقطابه، والتي تنشأ في إطار الوظيفة المرسومة للنظام ككل وتحت سقف الهدف الأمريكي، بما يحافظ على منطقة نفوذ للإدارة الأمريكية المتراجعة في المنطقة.
طبيعة المتغيرات.. والمطلوب عراقياً
يتزايد تراجع المركز الإمبريالي، ممثلاً بالولايات المتحدة، جراء الضربات الموجعة التي يتلاقها مشروعه على الصعيد العالمي، وهو ما تثبته جملة الانكسارات التي تكبدتها الإدارة الأمريكية، بفعل مضي القوى الصاعدة دولياً إلى الدفع بالحلول السياسية على حساب الخيارات العسكرية المتبناة أمريكياً، في العديد من الجبهات الساخنة عالمياً.
وفيما هو أبعد من عملية إطفاء للحرائق المشتعلة، تسير الدول الصاعدة، روسيا والصين بشكلٍ أساسي، بمشاريع كبرى للربط الاقتصادي بين أوراسيا ومشروع طريق الحرير الجديد، وغير ذلك من المشاريع ذات الطابع الإقليمي الأضيق، بما يفتح الفرصة موضوعياً لإيجاد حلول واسعة، تجرف معها ما رسخته القوى الاستعمارية وتناقضات الداخل من انقساماتٍ وبنى متهتكة في منطقتنا، على قاعدة وحدة شعوب الشرق العظيم.
وفي هذا السياق، تصاغ المهمة المطلوبة من القوى الثورية اليسارية، والحاملة لتطلعات شعوب المنطقة، بتضييق الخناق على منظومات النهب القائمة ومحاصرتها إلى أبعد حد، ويكون ذلك بالعمل على تلك القضايا الجوهرية التي تمس مصالح الحركة الشعبية المتصاعدة وتوحدها، بعيداً عن التعويل على تناقضات الأنظمة المتهتكة العاملة وفق المصلحة الأمريكية.
ما يوحِّد العراقيين اليوم؟
إلى جانب القضية الطبقية، بتجلياتها الاقتصادية الاجتماعية والسياسية الوطنية، التي دفع فيها الشعب العراقي أثماناً باهظة، طيلة العقود السابقة الأخيرة، بما فيها فترة الاحتلال الأمريكي المستمرة بمفرزاتها حتى اليوم، يندرج الخطر الجديد، المتمثل بتمدد «داعش»، كذراع فاشي متحكم بحركته أمريكياً، وسيطرته على مساحاتٍ واسعة ومهمة من العراق، كأحد الأخطار التي توحد العراقيين لمكافحته.
في الجانب الأول، الطبقي، تغدو عملية التعبئة والتنظيم سبيلاً لا بديلاً عنه لتطويق منظومة التحاصص، وفك الارتباط القسري بين القاعدة الشعبية وممثلي المنظومة، وهذا ما يتداخل مع الجانب الثاني، في تسهيل الإجهاز على «داعش» ومثيلاتها، عبر الاستفادة من المستجدات الدولية والإقليمية التي تدفع باتجاه خلق مكافحة جدية للإرهاب بمسعى روسي، بعيداً عن المعايير المزدوجة لواشنطن.