أية تسوية في اليونان؟
بعد سنوات من الارتهان للديون الأوربية والأمريكية ووصفات جدولتها بات المشهد اليوناني اليوم أمام احتمالين: إما شطب غالبية الديون بمعنى خضوع بروكسل الاتحاد الأوربي، بمركزه البرليني لمطالب حكومة تسيبراس، أو قبول تلك الحكومة بخطة تقشف أوربية مجحفة جديدة لقاء منحها قروضاً أخرى، بما يتعارض مع نتائج الاستفتاء الشعبي اليوناني الذي رفض ذلك يوم الأحد الماضي، بمعنى وضع حكومة تسيبراس ذاتها في مهب الريح وإسقاطها هي بعدما قال الشعب كلمته في ذلك الاستفتاء، ليبقى الرفض الشعبي هو الأساس عملياً في إسقاط نموذج الليبرالية الجديدة المتوحشة أوربياً.
بين سيناريو الخروج اليوناني من الاتحاد المالي الأوربي، مع كل تبعاته السياسية والاقتصادية، وبين مطالب الحكومة بالبقاء دون شروط مجحفة، ووسط تشدد أو ليونة، تفاؤل أو تشاؤم العواصم الأوربية المختلفة، يبرز الامتحان اليوناني بوصفه امتحاناً لأوروبا كلها بصيغتها الاتحادية، وسياساتها الاقتصادية غير المتكافئة التي كرست مركزاً ألمانياً كان تابعاً لواشنطن وأطرافاً تابعة للمركز التابع!!
في الأثناء تواصل واشنطن المأزومة والمتراجعة اقتصادياً وسياسياً الرصد والترقب وتحريك صندوق نقدها الدولي، كأداة ضغط على اليونان وعلى أوربا بعملتها المنافسة للدولار، مقابل استمرار التنسيق والعمل الروسي الصيني على إيجاد مكافئات دولية تقوض من النفوذ الأمريكي التقليدي، ليس أقل دلالاتها القمتان المتتابعتان لمجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي والحديث عن تكامل أوراسيا، بمركزها الروسي، مع طريق الحرير، بمركزه الصيني، وصولاً إلى قلب أوربا، مع وجود اليونان ضمناً.
وإذا كانت الامبريالية الأمريكية اليوم ليست كما كانت عليه بالأمس القريب، فإن الرأسمالية الأوربية لن تكون كما كانت عليه، واليونان في الغد لن تكون كيونان اليوم أو الأمس. ويبدو أن المراقب لن ينتظر كثيراً ليرى تسارع وتيرة الأحداث والتطورات، فليس لدى المواطن اليوناني ما يخسره أكثر.