الانتخابات البلدية تقلب المشهد الإسباني
تثبت الانتخابات الدورية التي تجري في عموم أوروبا مؤخراً أن البوصلة لدى الناخبين الأوروبيين باتت تدور، بشكلٍ رئيسي، حول مواقف الأحزاب والتكتلات الحزبية التقليدية من خطط التقشف التي يكابد فيها الفقراء ما يكابدوه.
كشفت الانتخابات البلدية والمناطقية التي جرت في إسبانيا مطلع الأسبوع الماضي عن تقدمٍ واسع للأحزاب الرافضة لخطط التقشف، بمقابل تراجعٍ حاد أصاب «الحزب الشعبي» الحاكم، بما يجعل تنحيه عن حكم البلاد مسألة وقت لا أكثر.
نتائج مفاجئة.. وبوادر تحالفات
انخفضت نسبة الأصوات التي حصل عليها الحزب الحاكم من 37% في عام 2011 إلى 26% هذا العام. ليليه «الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني» الذي نال نسبة 25.1%، ثم حزبا «بوديموس» و«سيودادنوس» الرافضان للتقشف. وهذا ما فتح الباب أمام الأحزاب المعارضة لإجراء تحالفاتٍ أكد «الحزب الاشتراكي» أنها سوف تجري مع كلٍّ من «بوديموس» و«سيودادنوس» لإيجاد «طريقة للتفاهم في مواجهة المشهد السياسي الجديد»، ومتعهداً بقيادة تشكيلات الحكومات اليسارية في البلديات والأقاليم الإسبانية، لا سيما بعد سقوط الحزب الحاكم في كلٍّ من برشلونة ومدريد.
«اليمين واليسار» والقيود الأمريكية
تجدر النظرة إلى هذه النتائج من زاوية انسداد الأفق أمام القوى اليمينية، وقبل ذلك في وجه الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، حيث باتت إسبانيا مؤهلة اليوم لخوض الصراع ضمن المنطق ذاته، الذي يجرى في عموم أوروبا: الأساس هو رفض التقشف والإفقار، أما النتيجة فهي على الأغلب صعودٌ لقوى اليمين في المركز الأوروبي، ولقوى اليسار في أطرافه المفقرة. وهنا، ينبغي التأكيد على أن «اليمين واليسار» لا تزال حتى الآن مجرد تسميات، فـ«الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني» على سبيل المثال، سبق له أن حكم البلاد في ظل غيابٍ لخطط العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة، فيما يشبه حالة «الحزب الاشتراكي الفرنسي»، بينما لا يزال «بوديموس» في نطاق الدراسة والتجربة بالنسبة لكثيرين.
لا ينتقص هذا الكلام من أهمية الحدث، بل يضعه في سياقه كمؤشر على تنامي حالة الرفض الشعبي الأوروبي لقيود مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ولحالة التبعية التي يبديها هذا الاتحاد إزاء الرغبات الأمريكية في وضع أوروبا كرأس حربة للصراع الجاري مع روسيا. وهنا، لا بد من الإشارة إلى وجود سقوف موضوعية يمكن لأوروبا أن تتحملها في الصراع مع روسيا التي تربطها معها علاقات تجارية وثيقة.
إلى ذلك، ينتظر المجتمع الإسباني استحقاقاً انتخابياً مقبلاً، أكثر أهمية وأكثر تعبيراً عن رغبات هذا المجتمع بالتخلص من تدني مستوى المعيشة وارتفاع مستويات البطالة، هذا الاستحقاق هو الانتخابات التشريعية الإسبانية، التي ستجري في نهاية هذا العام، موضحة- كما هو مفترض- ميزان القوى السياسي في الداخل الإسباني، وحاسمة مسائل التقشف والبطالة بالدرجة الأولى، ومسألة العضوية في الاتحاد الأوروبي ومنطق التعامل مع قيوده بدرجة أكثر عمقاً، وربما حسماً.