بعدما سلمت الدولة مواقعها: الحوثيون يسدّون الفراغ
ﻷن الحياة لا تقبل الفراغ، الفراغ الذي خلّفه غياب مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والاقتصادية اليمنية عن القيام بالدور الوظيفي في لحظات الانعطاف الكبرى، يُسمح بظهور حالتين: إما الفوضى في حال عجز الدولة عن القيام بدورها، وإما أن تنبري إحدى القوى السياسية لملء الفراغ بأن تقدِّم نفسها وتقدم برنامجها ورؤيتها للخروج من الأزمة.
كان لما نتج عن ما بعد الحراك الشعبي والتجاذبات والانقسامات ومؤتمرات الحوار التي تم تفريغها من محتواها، ووثائق السلم الأهلي التي تم حفظها بالدروج ولم يتم العمل بها، أن أدخل المجتمع اليمني بحالة من الاستقطاب الشديد والانقسام الوهمي، ومع تأزم الوضع الاقتصادي- الاجتماعي، وانتشار الفساد في أجهزة الدولة، والتهديد بإسقاط العاصمة صنعاء من قبل «القاعدة»، أصبحت جملة المشاكل والتناقضات بحاجة إلى مخارج، والمخارج سياسياً تعني رؤية ومشروعاً وبرنامجاً عملياً ملموساً لحل هذه القضايا. ومن يملك البرنامج يملك المخارج وتلتف حوله الجماهير.
قام الحوثيون، عقب رفع الحكومة للدعم عن المحروقات، بالسيطرة على العاصمة صنعاء وإسقاط حكم «الإخوان» وطرد محسن الأحمر من العاصمة صنعاء. الحوثيون المصرون على تنفيذ مخارج الحوار الوطني غالباً ما اصطدموا بارتباطات باقي القوى بالأجندة الأمريكية السعودية التي تعيق تنفيذ مخرجات الحوار باليمن.
وبعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، أعلنوا حرباً على «القاعدة» في البيضاء وأرحَب في ظل تفاهماتهم مع القبائل المحلية، واستطاعوا دحر التنظيم بالاستفادة من وجود إرادة سياسية حقيقية الأمر الذي لم تستطع تحقيقه الحكومات اليمنية على مدار الأعوام العشرة الأخيرة.
وقال الناطق الرسمي باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، في مقابلة على قناة اليمن إنه في أرحب كان يتواجد عناصر أجنبية إرهابية وهي المنطقة التي تخرج منها السيارات المفخخة، ومنطقة التخطيط للعمليات الإرهابية محملاً الحكومة مسؤولية عدم التحرك، إما بالتورط أو بعدم المعرفة، وقال أن لا رغبة أمريكية حقيقية في القضاء على الإرهاب. وفي رده على ما قاله القيادي في «المؤتمر الشعبي اليمني»، عبد الكريم الأرياني، الذي قال إن القضاء على الإرهاب يعتبر ضرباً من الجنون رد الناطق باسم الحوثيين بالقول إن هذا يدل على تورط جزء من أجهزة الدولة والجيش والمؤسسات الأمنية بدعم هذا الإرهاب. هنا تتضح محاولات كبار الفاسدين اليمنيين لتغطية مشاكل الفقر والبطالة بحجة استحالة القضاء على الإرهاب، بينما قضية القضاء عليه هي قضية مركبة، حيث تغدو الأدوات السياسية بتجميع الناس حول قضية جامعة مثل محاربة الفساد من أنجع الأدوات لمحاربة الإرهاب.
الفساد ودور الحوثيين
تقوم «لجان الرقابة الثورية» التابعة للحوثيين بما لا تقوم به أجهزة الدولة الرقابية، حيث كان يجري الحديث حول محاولة بعض الوزارات تفريغ الخزينة العامة من الأموال، وحول صناعة أزمة نفطية بالبلاد، وتقول التقديرات أن حوالي 500 مليار دولار ضائعة على مستوى النفط.
تنتشر عناصر تابعة للحوثيين في مؤسسات الدولة لمراقبة عملية الجرد السنوية. «اللجان الثورية» قالت إن شركة «سبأ فون» لم تدفع التزامتها المالية، وإن إعفاءات جمركية وضريبة هائلة وغير مبررة قد قدمت لكثيرٍ من المتنفذين.
فيما قال متحدث باسم الحوثيين إن ميزانية أحد الألوية اليمنية 20 مليار ريال على أساس أنها تقوم بالانتشار، وهي تأخذها رغم أنها لا تقوم بذلك. كما اتهم عبد الملك الحوثي الرئيس عبد ربه هادي منصور بتصدره قوى الفساد ومنع تحقيق الحل السياسي وإعاقته تنفيذ مخرجات الحوار الوطني ودفع اليمن للانقسام.
هنا، يأتي ريع الحوثيين الأساسي بقيامهم بالكثير من دور الدولة الوظيفي بما يؤدي إلى تعزيز وحدة اليمن وتقوية مواقعهم والوقوف في وجه المحاولات الأمريكية السعودية لإضرام النار في اليمن وحرقه وترسيخه دولة فاشلة.