بعيداً عن الضوضاء والتهويل.. كيف حال (الأمريكان)؟!

بعيداً عن الضوضاء والتهويل.. كيف حال (الأمريكان)؟!

يطالب زبغنيو بريجنسكي، كبير مستشاري السياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما ومستشار الأمن القومي الأمريكي السابق بين 1977-1981، يطالب الرئيس الأمريكي والإدارة الأمريكية بمصارحة الشعب الأمريكي بصعوبة الوضع في أوكرانيا، وضرورة أن يفهم الشعب الأمريكي أهمية الدعم الأمريكي لأوكرانيا «بالوسائل الضرورية كافة»..!

هذه المطالبة تكررت في مجموعة من اللقاءات والتصريحات خلال الشهرين الماضيين، ومن اللافت أن تأتي على لسان صاحب التنظيرات الكبرى للسياسة الأمريكية الخارجية العدوانية خلال العشرين سنة الماضية.
محاربة «الإمبر‌اطورية» الروسية
كان بريجنسكي ذاته قد شرح مطولاً في كتابه «رقعة الشطرنج الكبيرة» الصادر عام 1997، أهمية السيطرة على أوكرانيا أمريكياً، وفي جوهر ما يقوله أن أوكرانيا إن عادت إلى الكنف الروسي بأي من الأشكال، فإن روسيا سيكون لديها الإمكانية الحتمية لتعود «إمبراطورية» قوية تمتد بين أوربا وآسيا. لذا، وحسب رأي بريجنسكي، على الولايات المتحدة الإبقاء على السيطرة على أوكرانيا، ومنع روسيا بكل الوسائل من استعادة أوكرانيا، بما تمثله من منفذ واسع على البحر الأسود، ومنجماً من الثروات الباطنية والزراعية وغيرها.
إذاً.. كيف حال الأمريكان..؟
انضمت شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، المنفذ البحري المهم والقاعدة العسكرية المتقدمة. ولم تنجح الحكومة الأوكرانية في إخماد المطالبات في مدن جنوب شرق أوكرانيا للانضمام إلى روسيا، ورغم كل الضغط العسكري الذي استخدمته القوات الأوكرانية في دونتسيك وغيرها، ومحاولات الولايات المتحدة للزج بالروس في معركة مفتوحة تسمح للأمريكان بالتدخل علناً ومباشرة، إلا أن روسيا لم تنجر إلى التدخل العسكري بالحجم والشكل المطلوبين أمريكياً لفتح أبواب الحرب الجهنمية على الروس.
دون أن ننسى حجم الضغط السياسي والعقوبات الاقتصادية التي دفعت الولايات المتحدة حلفاءها الأوربيين إلى استخدامها للضغط على الروس، إما بقبول الصفقة وفق الرؤية الأمريكية، أو باتجاه الاستفزاز لتحصيل المواجهة الضرورية أمريكياً، لكن النتائج من ذلك كله كانت، تضرر الاقتصادات الأوربية أضعاف ما تضرر الاقتصاد الروسي.
نجد اليوم قادة الاتحاد الأوربي يعقدون جلسات الحوار بين الروس والأوكرانيين لإيجاد حل سياسي للأزمة، في الوقت الذي تستمر فيه استفزازات الأمريكان للروس إعلامياً وسياسياً، وعسكرياً عبر التجاوزات والخروقات العسكرية والأمنية من الطرف الأوكراني، الأمر الذي يسمح لنا بالقول أن المهمة المطلوبة أمريكياً من المجموعات الفاشية الجديدة في أوكرانيا لم تنجز كما يجب، وتدريجياً يتم إفشال كامل الحلة، حتى ولو ببطء شديد.
الواقع الدولي والضرورات الأمريكية
يعرّف بريجنسكي المحاور الجيوسياسية بأنها القواطع التي تسمح بسيطرة طرف، أو تمنع سيطرة طرف، وبالتالي يجب أن تبقى مجمل المحاور الجيوسياسية في العالم تحت سيطرة الولايات المتحدة لضمان سيطرتها العالمية، وإلا، في حال عدم إبقاء السيطرة، فإن الأمريكيين سيكونون مضطرين للتفاوض والمساومة والتنازل في العديد من الملفات الدولية، خصوصاً في ظل تغيرات التوازن الدولي.
من هنا، يمكن تقدير أهمية ما يجري الآن في العراق، وهي أحد المحاور الجيوسياسية التي يذكرها بريجينسكي في كتابه، وبالتالي تقدير ماهية المهمة المرهونة بالشكل التكفيري للفاشية في المنطقة- متجسدة بـ «داعش» وأشباهها.
لكن أيضاً من حالة الترابط بين المهام ذاتها، نجد أن مهام الفاشية المصنعة أمريكياً عموماً باءت بالفشل، ولم تحقق النتائج المرجوة إذ لم تغيّر واقع الحال في التوازن الدولي، وبالتالي يمكن لهذا الواقع أن ينسحب على التجربة الفاشية في منطقتنا أيضاً، فيكون التنبؤ النظري عجز الأدوات الأمريكية وحلولها عن تغيير مسار المنحى العام لتغيّر التوازن الدولي عموماً، دون أن ننسى أهمية العوامل الوطنية والجبهات الداخلية لكل دولة ولكل منظومة إقليمية.