أشياء «يـُعتقد» أنها أمريكية!
أسمع وأقرأ يومياً- منذ زمن- عن غارات يسقط فيها قتلى وجرحى وتهدم بيوت فقراء باكستان في مناطق الحدود مع أفغانستان. دماء الأطفال والنساء وغضب الرجال وصياحهم أشياء حقيقية ومؤكدة، أما الفاعل فإنه مجهول! إذ تكتفي الصحف والفضائيات بالقول بأنها غارات «يعتقد»! أو «يُظن» أو «ربما تكون» أمريكية!
لا يستطيع أحد أن يتوصل إلى هوية الجهة أو الدولة التي ترتكب يومياً جرائم الإبادة الجماعية بطائراتها! لا تستطيع لا روسيا ولا ألمانيا ولا بريطانيا ولا أمريكا بالطبع بكل ما لديهم من علوم التوصل إلى ذلك الفاعل الماكر المجهول! لا يستطيع أحد أن يشير إلى الفاعل في وقت يمكن فيه لمن يريد أن يرى عن طريق الانترنت أي شارع بأية مدينة في الأرض عن طريق الانترنت! تعجز العلوم الحديثة كلها عند النظر إلى إبادة فقراء الحدود يومياً عن معرفة
الفاعل! لهذا يكتفون بالقول بأنها غارات «يعتقد»، أو «يظن»، وبعض الظن إثم! الغارات تشنها طائرات بلا طيار (إلى هذه الدرجة وصل العلم) لكن هذا العلم ذاته يعجز فجأة عن تحديد المكان الذي تنطلق منه الطائرات! وقديماً قالوا إن الفعل يبنى للمجهول خوفاً على الفاعل أو خوفا منه!
معظم الغارات تستهدف القبائل الباكستانية، وليس فقط. فقد أشارت الأنباء منذ فترة قصيرة إلى غارات مماثلة على محافظة مأرب باليمن أسفرت عن مقتل نائب المحافظ وأربعة من حراسه. وحين كان الأمر يتعلق بوجود أسلحة دمار شامل في العراق، توفر من العلم ما يكفي للإدعاء بوجود تلك الأسلحة! وحين تعلق الأمر بتفجير برجي التجارة في سبتمبر عام 2001، تمكنت الجهات الأمريكية بعد التفجير بساعات، ومن دون أي تحقيق، أن تتوصل فوراً إلى أن القاعدة هي الفاعل! وبعد تسع سنوات من الحرب الأمريكية على أفغانستان يبدو الفشل الأمريكي ضخماً لا تداريه كل عمليات الإبادة الجماعية لفقراء الحدود وأطفالهم. وما زالت أمريكا تدعي أنها ترمي بحربها إلى «نشر الديمقراطية» حتى لو تكلف ذلك إبادة الشعب الأفغاني بأكمله، أو هدم العراق، فالمهم في النهاية أن تبقى في الخراب وبين الأنقاض وردة الحرية الأمريكية! ولم يستطع باراك أوباما أن يبرر شيئاً من الأوهام والآمال التي عقدها عليه البعض، فلم نر منه حتى الآن سوى سعيه الحثيث لتقسيم السودان، وتهديد إيران، وإدعاء العجز حين يتعلق الأمر بضرورة الضغط على «إسرائيل»، واعتصار ثروات العراق، ومواصلة الحرب الإجرامية على الشعب الأفغاني. وقد كشف الكاتب الأمريكي دونالد لامبرو الهدف الحقيقي للحرب الأمريكية على أفغانستان قائلا: «قد يرى العالم أفغانستان مجرد كتلة من الجبال تنمحي معالمها بين الأطلال المنتشرة في كل مكان، لكن للجيولوجيين رأيا آخر، إذ يقدرون أن أفغانستان هي منجم ثروات طبيعية لو توفرت لأية دولة أخرى لكانت من أغنى الدول». وقد أشارت «نيويورك تايمز» في تقرير لها نشرته جريدة الوطن القطرية إلى أهمية أفغانستان كمعبر لخطوط نفط وغاز كازاخستان وتركمانستان وأذريبجان، والسيطرة على نفط تلك الدول تعتمد على التحكم في خطوط نقل ذلك النفط. ومن أجل النفط تواصل أمريكا حربها على أفغانستان، وتواصل تحكمها في العراق الذي اتضح أنه ثالث دولة في العالم من حيث احتياطي النفط بعد السعودية وفنزويلا، وتبقي حقيقة أن الحرب الفاشلة على الشعب الأفغاني هي الأطول في تاريخ الاستعمار الأمريكي بعد أن طالت أكثر مما طالت الحرب على فيتنام، ومهما استمرت الطائرات في غاراتها التي «يُعتقد» أنها أمريكية، فإن مصير الحرب قد تحدد، واتضح، حتى لو استمرت الأنباء تبني الأفعال لمجهول.