«النقد الدولي» يغزو تونس مجدداً
الخرّيج الجامعي الذي أحرق نفسه لعجزه عن تأمين سبل العيش الكريم كان «البوعزيزي»، وهو يجسد حال غالبية التونسيين المُفقرين بسياسات اللبرلة وغياب العدالة في توزيع الثروة
كان الحراك الشعبي وكانت «ثورة الخبز والكرامة» على الظلم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، رحل «بن علي» ووصلت «حركة النهضة» إلى الحكم، واليوم بعد أكثر من سنة ونصف على وصول «النهضة» إلى الحكم لم تنجز أي من المهام المطلوبة التي كانت من أجلها الثورة، فلم تحصل تغييرات جدية ابتداءً من عقلية الحزب الواحد والإقصاء السياسي وصولاً للاغتيال السياسي ومحاربة النقابات، وحتى وجود ميليشيات شبه عسكرية تتصدى لمناهضي الحكم في الشارع، لم تتغيّر الحال كثيراً والاحتجاجات التي شهدتها تونس على مدى العام الماضي تعطي الصورة الواضحة عن عمق الأزمة السياسية التي لم تستطع الحركة الخروج منها حتى اليوم..
الجذور المُغيبة
لكن الوضع الاقتصادي هو ما كان يحرك في العمق تلك الاحتجاجات والتي رفضتها لاحقاً حركة «النهضة»، فمعظم المظاهرات كانت ترفع شعارات مطلبية واقتصادية اجتماعية، وكان منهج الحركة منذ وصولها السلطة هو إقصاء وتكذيب وحتى تكفير كل من يعترض على برنامجها السياسي والاقتصادي، فالمشروع الليبرالي الذي أفقر البلاد والعباد لم تتراجع عنه الحركة، ونسب البطالة تزداد وتطال الشرائح الوسطى والأكاديمية من المجتمع كما تطالها وبقسوة موجات غلاء المعيشة.
لعنات صندوق النقد الدولي
استمرت إذاً «حركة النهضة» على النهج ذاته الذي أودى بالنظام السابق وعليه استمرت علاقة التبعية لقيود الرأسمالية العالمية عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فبعد جولات من المباحثات توصلت حكومة «النهضة» خلال الأسبوعين الأولين من نيسان إلى اتفاقين مع كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بناء عليهما تحصل الحكومة التونسية على قرض بقيم 500 مليون دولار لدعم موازنة عام 2013 من البنك الدولي وقرضٍ آخر بقيمة 1.78 مليار دولار من صندوق النقد الدولي «لمجابهة الصعوبات المالية، التي تمر بها منذ الثورة، التي أطاحت بالنظام السابق قبل عامين»!..
النهضة على المحك
اعتماد الحكومة _ حكومة إسلاميي تونس _ على قروض صندوق النقد والبنك الدوليين يعني استمرار نهج الليبرالية المخترقة للاقتصاد الوطني التونسي بقطّاعاته كافة وتبعية القرار السياسي لتونس لأصحاب القروض، ويعني فشل «حركة النهضة» في وضع برنامج اقتصادي سياسي مبني على التنمية الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبالتالي تستمر أزمة الحركة ويستمر الاحتقان الشعبي ضدّها وخسارتها للفئات المهمشة التي أعطتها صوتها بناءً على القمع الذي تعرضت له الحركة فيما مضى وتختبر اليوم جدّية شعاراتها وخطّها السياسي.