طائفياً.. الكل مغلوبون في لبنان

طائفياً.. الكل مغلوبون في لبنان

أظهرت مجريات الثلاثاء 25/1/2011 في لبنان نذر بشاعة المنزلق الذي يجري دفع بلاد الأرز إليه في ظل الاستقطاب والشحن المذهبي- الطائفي غير المسبوق بمداه وتأثيره ولا حتى عشية اندلاع الحرب الأهلية حين لم يكن لدى اللبنانيين ومحيطهم العربي والإسلامي واسطة واسعة الانتشار إلا الإذاعات وبعض محطات التلفزة المتأخرة بأخبارها، وليس فضائيات البث الإعلامي المباشر، متضاربة التمثيل والمصالح والرؤى.

في ذلك اليوم الذي شهد عصره تكلل فصول الاستشارات النيابية- رغم كل الضغوط والاستفزازات والترهيب-   بتسمية نجيب ميقاتي رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة اللبنانية المرتقبة(!) برز منذ صباحه في كل من طرابلس وصيدا ما رددت ماكينة الحريري وبقايا 14 آذار من أنه «شارع سني» كان واضحاً أنه «مستقبلي» الانتماء و«قواتي» الدعم، «خارج عن عقاله»، ولكنه فعلياً كان استعراضاً للقوى فاشلاً بالعصي والسكاكين، تمهيداً لما يلوح به هؤلاء من احتمالات استخدام ميليشاتهم المعاد تنظيمها وتسليحها بدرجة عالية، ولكن غير منضبطة كما جرى في العرض الأولي المشين..

في المقابل وبصورة مختلفة كلياً برز في بعلبك «شارع شيعي» منظم ومنضبط سياسياً، ولكنه بالمعنى الطائفي الضيق ومن دون وضع إشارات مساواة سياسية، لا يقل استفزازاً، من جهة، ولا يعلم أحد، من جهة أخرى، متى يخرج عن عقاله سياسياً وطائفياً إذا ما استمرت ماكينة الشحن والاستفزاز، والاستفزاز المضاد.

ما يزيد من هذه الخشية هو السلوك «الحريري- المستقبلي» الذي يُظهر بوضوح أنه «مُسقط في يده وخاسر لا يريد أن يعترف بخسارته»، مدعوماً بتعليقات دولية، وتحديداً من واشنطن وباريس، توحي باستكمال تحضير مسرح الاضطراب المقبل في لبنان بما يعنيه ذلك من زيادة زرع فتائل الانفجار وعودة موجات الاغتيال السياسي، وسط تربص «إسرائيلي» للانقضاض العدواني في لحظات الانشغال الداخلي «المثلى».

الحريري في «خطاب الاعتذار» عن انفلاتات «يوم الغضب» الذي دعا إليه تياره دون سواه يتحدث عن ضرورة حماية «الخط الوطني» من دون أن يوضح خط من، ويعزف على وتر «كرامة السنة» ويتبعها تحريضاً بـ«ولكن..» في استدراك يراد له أن يكون غير مجدي مع اعتماد المتحدث نبرة «المغلوب على أمره» في وقت يؤكد فيه فريق المعارضة السابقة (الأكثرية النيابية والشعبية حالياً) تمسكها بصيغة «لا غالب ولا مغلوب»، مع ترداد جميع «وكلاء الطوائف» لمقولات «العيش المشترك» و«السلم الأهلي».

لكن بالمعنى الجوهري، ومع أهمية الاستقطابات السياسية وتبدلاتها في لبنان بالمعنى التكتيكي، (ومرة أخرى من دون وضع الجميع في خانة واحدة) عن أي سلم أهلي وعيش مشترك حقيقي يتحدث ملوك طوائف لبنان، في ضوء الاستحقاقات السياسية والاقتصادية الاجتماعية المتداخلة لبنانياً وإقليمياً ودولياً الماثلة أمام الشعب اللبناني بمعنى الكيان الوطني؟

ببساطة نظرياً، يتطلب ذلك نسف الكيان الطائفي اللبناني أولاً لأن الجميع «مغلوبون» بآلياته القائمة، ولكن ذلك يعني عملياً نهوض القوى والأحزاب «مافوق الطائفية» لمسؤولياتها ودورها، وفي المقدمة منها رفاقنا الشيوعيون اللبنانيون وباقي تيارات اليسار، من أجل تحقيق هدف وحيد يتمثل في إعادة تشكيل الفضاء السياسي اللبناني مع إعادة الاعتبار للبعد الطبقي الوطني بالمعنى الواسع للصراع الداخلي وتقديم البرامج السياسية بناءً عليه، وليس إضافة هذا البعد كتلوينة وزينة في الخطابات السياسية المنطلقة والمحكومة في نهاية المطاف حتى الآن بالمفهوم والمصلحة الطائفية الضيقة.

في هذه الأثناء يبقى على حكومة ميقاتي في كل الأحوال، إن سمحت أصابع التآمر الدولي الصهيوني بتشكلها وإطالة عمرها، الالتفات الجدي للمصالح الاجتماعية المعيشية للبنانيين، وبالمعنى السياسي المباشر تنفيذ مطالب القوى الوطنية اللبنانية بخصوص المحكمة الدولية، أي تحويل ملف شهود الزور للمجلس العدلي، سحب القضاة اللبنانيين من المحكمة، سحب التمويل اللبناني لها، بما ينزع، أو على الأقل يعرقل عمل واحد من أخطر صواعق الانفجار المبيت للبنان، والمتمثل في القرار الظني ولوائح الاتهام المرتقبة خلال أسابيع للنيل من المقاومة اللبنانية وسلاحها الدفاعي.

«يتبع لاحقاً»، فكما يقول «ساسة» لبنان: لكل حادث حديث..!