بعد سنوات من الدكتاتورية وتجويع الجماهير الشعبية..!
كالمعتاد، وكما كان الأمر دائماً، وجدت الأجهزة الأمنية المصرية أن علاج الوضع بعد تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، أن العلاج يكمن في ممارسة مختلف صنوف التعسف والبطش، وكان ذلك ينتهي دائماً إلى إضعاف الوحدة الوطنية وإرهاب المواطنين، خاصة وأن أعمال الاحتجاج الوطني الجماهيري تصاعدت في ساحات المدن المصرية رداً على التزوير المفضوح للانتخابات وقمع كل صوت يعارض خطط مبارك المرسومة لمستقبل السلطة السياسية في مصر.
مرة أخرى يستخلص بوضوح أن تزايد دور البورجوازية البيروقراطية والبورجوازية الطفيلية لا يترافق إلا مع إضعاف الوحدة الوطنية وتعميق الطائفية، ومرة أخرى يتضح أن ما يجري في مقر العلاقات الاجتماعية من تشوهات لا يمكن له أن يترعرع يومياً بعيداً عن خطط السلطة السياسية في مصر، وبعيداً عن دورها الدعائي والثقافي.
إن جماهير الشعب المصري وعبر الأعمال الاحتجاجية على المجزرة الإرهابية في الإسكندرية، تدرك أن تلك التخمرات وذلك التعفن لا يمكن له أن يصيب العلاقات الاجتماعية بعيداً عن الأساليب الدكتاتورية وبعيداً عن دور الأجهزة الأمنية ونتيجة التشوهات الحادة والعميقة التي أصابت العلاقات السياسية في المجتمع المصري والتي فرضتها مصالح الشرائح المرتبطة بالرأسمال المالي، وليس مصادفة أن تعمق تلك التشوهات في العلاقات السياسية تعمقت شيئاً فشيئاً بعد اتفاقية كامب ديفيد التي فرضها السادات على الشعب المصري.
إن زعزعة الوحدة الوطنية في مصر أخذت مسارات خطرة ولم يكن ذلك مصادفة أو بعيداً عن عقابيل تزايد الفقر والجوع والبطالة وتزايد الفساد الذي كان بعده الاجتماعي والثقافي تخريب القيم الوطنية في الوعي الاعتيادي. وقد أسس ذلك لتحقيق أوسع عوامل زعزعة الوحدة الوطنية، ومعروف أن ضعف الديمقراطية وتشديد الخناق على الحراك الجماهيري يؤسس ويكون أفضل مناخ اجتماعي لذئاب الطائفية من كل لون وشاكلة.
مرة أخرى تضيف أحداث الإسكندرية أن أولئك الحكام يقدمون لشعوبهم الثمار المرة، ويهدون الصهيونية والدول الإمبريالية ثمار يانعة تسعفهم وتقويهم لتنفيذ خططهم في تفتيت عميق لكل شعب من الشعوب العربية.
إن الملاحظة الإضافية البارزة موادها تتجلى بصورة فاقعة في أن الطائفية والنشاط الطائفي ومختلف أنشطة الشحن الطائفي تتلازم مع إضعاف الوطنية وإضعاف الوحدة الوطنية وتمهد لأشكال من التفتيت، والأخطر هو أن تلك الأنشطة تؤسس في الوعي الاعتيادي إلى حالة من التحلل الوطني وغياب صورة العدو الأساسي وتمتين فكرة أن العدو الرئيس هو الطائفة الأخرى.
هناك سلاح معروف لإيقاف التفتيت الطائفي، إنه تأمين الحقوق الديمقراطية المتلازمة مع ضرب مصالح البورجوازية الطفيلية والبورجوازية البيروقراطية ومحاربة الفساد ومواجهة التفتيت الطائفي بالثقافة الوطنية، وتوحيد أهدافها الحقيقية ومحاربة الديكتاتورية وتأمين مستويات متقدمة من العدالة لإعادة النظر في توزيع الدخل الوطني.
إن إحداث الإسكندرية تقدم مثالاً فاقعاً وواضحاً على الترابط الديالكتيكي بين الظواهر، فالاعتماد على التبعية للإمبريالية وصيانة مصالح البورجوازية الطفيلية وإطلاق يد الرأسمال المالي يتلازم بسياسات قمع الجماهير الشعبية وتشويه الحقوق السياسية الديمقراطية وبالتالي تكوين المناخ لتنشيط الطائفية، وتقدم الحياة درساً مفاده أن منع أو كبح قنوات التواصل السياسي الديمقراطي يؤدي إلى تنشيط القنوات وخيوط الفواصل والعلاقات الطائفية.