ما الذي يريده الأمريكان من البقاء في أفغانستان؟
يفترض أن تسحب الولايات المتحدة كل قواتها العاملة في أفغانستان بحلول نهاية هذا العام الجديد. ولكن تبدي الاستطلاعات عكس ذلك تماماً، فالرئيس أوباما يسعى للعمل على إبقاء عدة آلاف من القوات الخاصة، والمدربين العسكريين، وعناصر من وكالة المخابرات المركزية، وغيرهم، للمشاركة في عمليات المراقبة لمدة 10 سنوات أخرى، في أفغانستان حتى نهاية 2024.
استطلاعات مناهضة لاستمرار الحرب
أظهر مسحٌ أعدته وكالة «CNN» بأن 75 ٪ من الشعب الأمريكي، يعارضون بقاء أية قوات عسكرية أمريكية في أفغانستان بعد التاريخ المقرر للانسحاب، في 31 ديسمبر. ومن الملفت بأن 17٪ فقط من الذين شملهم الاستطلاع، كانوا يؤيدون الحرب طيلة 12 عاماً، مقارنة مع 52 ٪ في ديسمبر 2008. وبلغ نسبة المعارضين للحرب من 46% إلى 2% خلال خمس سنوات. ومن خلال استطلاع آخر أجرته «أسوشيتد برس»، في 18 كانون الأول فإن 57% من الأمريكيين يقرون بخطأ غزو أفغانستان في عام 2001.
الرئيس أوباما متمسك بجدول أعماله لسحب «جميع القوات البرية»، بحلول نهاية عام 2014، ولكن القوات الخاصة وغيرها، ليسوا جاهزين من الناحية الفنية. ولكن في الحقيقة الوجود العسكري الحيوي جاء لخدمة أهداف سياسية أكبر، مرتبطة بمحور آسيا. وقد كان البيت الأبيض يساوم مع حكومة كابول، لعدة سنوات، من أجل الحفاظ على القوات العسكرية في أفغانستان لمدة 10 سنوات أخرى، وبمقابل أن تدفع الولايات المتحدة مليارات متعددة لتدريب وصيانة الجيش والشرطة الأفغانية، والمساعدة في تمويل الحكومة بنفقة كبيرة حتى عام 2024. ومن الملاحظ أنه تم التوصل إلى اتفاق، ولكن لا يستطيع الرئيس «حامد كرزاي» التوقيع إلا بعد وصول الرئيس الجديد في نيسان.
أهمية أفغانستان لواشنطن
السبب الأول: بقاء قوات النخبة لمراقبة الوضع عن كثب، والدخول في عمليات قتالية عند الضرورة، لحماية مصالح الولايات المتحدة، والحفاظ على نفوذ قوي داخل البلد، خاصة إذا أفضت الانتخابات لوصول قوة معادية لها.
السبب الثاني: الأهمية الجيوسياسية لأفغانستان بالنسبة للولايات المتحدة، وخاصة لأنها قاعدة «البنتاغون» العسكرية الوحيدة في آسيا الوسطى، محاذية لإيران في الغرب، وباكستان من الشرق، والصين من الشمال الشرقي، ومختلف الموارد الغنية للجمهوريات السوفيتية السابقة إلى الشمال الغربي، وكذلك روسيا في الشمال.
ومن هذه الزاوية، يمكن النظر لبقاء الوجود العسكري في أفغانستان، متوافقاً مع سياسة «طريق الحرير الجديد» التي أعلنتها واشنطن (أعلنت لأول مرة من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قبل عامين). الهدف بمرور الوقت هو تحسن الحالة الاقتصادية والتجارية والسياسية، التي تزيد من القوة الاستراتيجية للولايات المتحدة في وسط آسيا وجنوبها، لتعزيز الهيمنة العالمية للولايات المتحدة، وإعاقة النمو الاقتصادي في الصين. كما أورده «روبرت بليك» في وزارة الخارجية في 23 مارس:
«إن المنطقة الحيوية الممتدة من تركيا، عبر بحر قزوين إلى وسط آسيا، إلى أفغانستان إلى اقتصادات جنوب آسيا الواسعة، تحتاج إلى المزيد من التعاون، للوصول إلى المزيد من الازدهار والاستقرار. ونحن نرى بوضوح ضرورة توسيع التعاون مع أفغانستان، وبلدان أخرى في المنطقة، لتعزيز أمن الحدود، ومجابهة التحديات الأمنية، ومكافحة التهديدات الخارجية».
ولم يحدد «روبرت بليك» ما هي «التحديات الأمنية» التي تدور في ذهنه. ولكننا نفهم ببساطة بأن كلا من الصين وروسيا، القريبة من مناطق التجارة والنفوذ في آسيا الوسطى، الفناء الخلفي المجاور لها، هما التحديان الأمنيان لأمريكا.
ترجمة د. نبيل حوج