ألمانيا : ماذا قدَّمت الرأسمالية للأطفال؟!
سيبال فاشس سيبال فاشس

ألمانيا : ماذا قدَّمت الرأسمالية للأطفال؟!

تعدُّ ألمانيا من أغنى بلدان العالم، ورغم ذلك، يقبع عددٌ كبير من أطفالها في الفقر. هذا ما أكَّده تقريرٌ حديث صادر عن منظمة الأمم المتَّحدة للطفولة «اليونيسيف»..

ترجمة : ياسمين نور الدين

يعيش ما يقارب الـ10% من أطفال ألمانيا ضمن أسر يندرج دخلها تحت خط الفقر، وذلك وفقاً لمقياس منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية«OECD»، حيث يعدُّ فقيراً كلَّ من يتلقى أقل من نصف الدخل المتوسط. ومن بين 29 دولة مشاركة في المنظّمة، يأتي تصنيف ألمانيا في المرتبة الحادية عشرة في هذا المجال.
على المقلب الآخر من المجتمع، تزداد الثروةُ بسرعةٍ بفضل سياسات الأحزاب الحاكمة في برلين، حيث ذكرت مجلة«Manager»  للأعمال في تشرين الأول الماضي، أن أصول أغنى 100 شخص في ألمانيا قد ازدادت، منذ السنة الماضية، بمعدّل 5,2%، لتشكِّل مبلغاً ضخماً قيمته 336,3 مليار يورو (أي ما يعادل 449,8 مليار دولار!).
الأطفال بحاجة.. و«ألمانيا غير قادرة»
لخّص تقرير «اليونيسيف» نتائج بحوث مجموعة من علماء الاجتماع الذين درسوا الوضع الاجتماعي ــ الاقتصادي للأطفال والمراهقين الألمان، وكذلك أسرهم، ولاحظوا أثر الفقر على الصّحة الجسدية والعقلية لديهم، وعلى الشعور الذاتي للأفراد بالرفاهية. كما حقَّق العلماء بميل الناس للقيام بأعمال عنف وارتكاب الجرائم، بالإضافة إلى تعامل الإعلام مع المراهقين، والنتائج التي تتبع ذلك.
وخلصت الدراسة إلى أن 8,6% من الأطفال يعانون من فقرٍ مزمن سيؤثّر، بشكل جدّي، على كامل حياتهم المستقبلية، فأكثر من مليون مراهق قضوا ثلث طفولتهم وصباهم في فقر مدقع. وهذا يعني أنّ هؤلاء الأطفال غير راضين عن حياتهم في المستقبل كبالغين، ولديهم أملٌ ضئيل بقدرتهم على تغيير حياتهم من خلال جهودهم ومهاراتهم. يقول «كريستيان شنايدر»، المدير التنفيذي لليونيسيف في ألمانيا، إنه «من المخيّب للآمال أن ألمانيا غير قادرة على تحسين الشروط المادية لحياة الأطفال بشكل ملحوظ».
كثيرات هنَّ الأمهات المطلقات والأرامل اللواتي يعملن بدوام جزئي وحتى كلّي. ومع ذلك، وبسبب الأجور المنخفضة، فهنّ غير قادرات على تسديد كلفة مشاركة أطفالهنّ في النشاطات الثقافية، الرياضيّة، والرحلات المدرسيّة. وكذلك يفتقرن للوقت اللازم لمساعدة أولادهنّ في فروضهم المدرسية، وغالباً ما لا يكون بإمكانهنَّ توفير المال اللازم للتعليم الإعدادي أو الدروس الخصوصية، وهو الأمر الذي أصبح مفروغاً منه لدى الأسر الغنية، في حالة الصعوبات الدراسيّة.
ولأنّ النجاح الأكاديمي في ألمانيا يعتمد بدرجة كبيرة على المدخول أو على مستوى تعليم الأهل، أكثر منه في الدول الأوروبية، نجد أنّ كثيراً من الأطفال والمراهقين الألمان متروكون لمصيرهم في النظام التعليمي.

لا حقوق للطفل.. إلا بالاشتراكية!

الصّحة، والسلوك المرتبط بالصّحة عند الأطفال، يعتمد بشكلٍ كبير على وضعهم الاجتماعي والاقتصادي. وفي الأسر التي يكون فيها أحد الوالدين عاطلاً عن العمل، تتدنّى نسب نجاح الأطفال مقارنةً بأقرانهم ممّن يعيشون بظروف أفضل.
في النهاية، يتضمَّنُ تقرير اليونيسيف مطالب تقع على عاتق الحكومة الجديدة مهمة تحقيقها. إذ يتوجَّب على صانعي السياسات «التصرّف بحزم حيال فقر الأطفال»، كما أنه على النظام التعليمي «ضمان الدعم الملائم والهادف للأطفال المحرومين»، وكذلك يجب أن تنفَّذ اتفاقية الأمم المتّحدة لحقوق الطفل بالكامل.
وبالطبع، لن تعير الحكومة الجديدة أي اهتمامٍ لتلك التوصيات. فتدابير التقشُّف المتَّبعة سلفاً، و«سقف الديون» المكرَّس في الدستور، يجعلان الأمر مؤكَّداً بأنّ المطالب ستذهب أدراج الرياح. حيث أن التحسن في شروط حياة الأطفال الفقراء ممكنٌ فقط في ظلّ مجتمعٍ اشتراكي، يضع حاجات الأغلبية الساحقة من السكّان فوق سعي القلّة وراء ثرواتها.

عن موقع «غلوبال ريسيرتش» بتصرف