الحركات الشعبية ومصير النظام العالمي
تمر مختلف الدول التي انطلقت فيها الحركات الاحتجاجية بمرحلة مخاض في إطار الصراع ما بين القديم الذي استنفد دوره التاريخي، والجديد الذي لم يتبلور بعد، حيث تحاول مختلف أطراف الصراع الدولية والإقليمية والمحلية التحكم بمآلات عملية الصراع الجارية بما يحقق أهدافها.
ولعل أهم أدوات القوى المعادية لحركة الشعوب بمختلف مواقعها هي محاولة تشويه طبيعة الصراع الدائر، عبر تسويق ثنائيات وهمية تُفرض على الوعي الاجتماعي بقوة الضخ الإعلامي، تأخذ تسميات متعددة حسب خصائص كل بلد والظرف الملموس ففي مصر يصور الصراع على أنه صراع بين «العسكر - الإخوان»، وفي سورية «نظام-معارضة»، وفي اليمن «شمال -جنوب» وما إلى ذلك من مفاهيم ومصطلحات ومقولات تعمل على تغييب الأسباب الحقيقية للصراع الدائر وتمييعه.
إذا كان التغيير هو العنوان العريض للحراك الشعبي في بلدان المنطقة، فإن أهم مهام القوى الوطنية في هذه البلدان هو العمل على أن يكون التغيير حقيقياً، وحتى يكون كذلك فيفترض به أن يكون باتجاه تحقيق الأهداف العميقة التي انطلق من أجلها الحراك الشعبي أصلاً، والتي يجب أن تعبر عن مصالح الأغلبية الكادحة في هذه البلدان في المسارات الوطنية والاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية، وهو ما يجري تغييبه عبر تلك الصراعات الوهمية.
ما ينبغي التركيز عليه هو حالة المد والجزر لحركة الشعوب، وآلام المرحلة الانتقالية في هذه البلدان فهي عملية تاريخية معقدة ومركبة، تتطلب فهم جدلية هذه الظاهرة التاريخية، ومحاولة توجيهها باتجاه التطور الموضوعي في حركة التاريخ، إذ يحسب لهذه الحركة حتى الآن على الأقل أنها كفرت بنموذج الرأسمالية الطرفية، وأكدت إفلاسه وعجزه عن حل أي من القضايا التي تنتصب أمام شعوب المنطقة، وذلك في إطار السؤال الذي بات يطرح بإلحاح عن مصير بنية النظام الرأسمالي على النطاق العالمي.