بين هموم الشعب التونسي وسلطة الإخوان المسلمين
تستمر الأزمة السياسية في تونس منذ استلام الإخوان المسلمين- حركة «النهضة»- السلطة قبل أكثر من عام.
مجدداً يبلغ التصعيد حد الاستعصاء مع اندلاع موجة جديدة من المظاهرات والمواجهات على إثر اغتيال القيادي السياسي «محمد البراهمي»، ومطالبة المعارضة باستقالة الحكومة الحالية وحلّ المجلس التأسيسي، وهو ما يرفضه الإخوان المسلمون واصفين مطالب المعارضة بـ«عوامل تؤدي للفوضى.. وضرب مسيرة الاستقرار والديموقراطية»!.
«خبز.. حرية.. عدالة اجتماعية»
لم تنجح حركة «النهضة» في طرح برنامج معالجة لأي من الإشكاليات الأساسية في تونس، في الاقتصاد لم تأت الحركة ببرنامج اقتصادي وطني بل توجهت إلى القروض من البنك وصندوق النقد الدوليين بشروط تقليص الإنفاق الحكومي وتعديل منظومة الأجور والسماح للشركات الخاصة بتوظيف 30% من العمالة الأجنبية في الوقت الذي تعجز فيه الحكومة عن تأمين وظائف لأكثر من 800 ألف تونسي عاطل عن العمل، وكانت عدة مدن تونسية قد شهدت نهاية شهر أيّار احتجاجات للعاطلين عن العمل وإضرابات للعمّال أدت لتوقف عدد من مناجم الفوسفات، بالإضافة لارتفاع أسعار السلع الأساسية وتكلفة المعيشة بنسب عالية، ومن هنا يُفهم لِمَ كان شعار «خبز، حريّة، عدالة اجتماعية» هو الأبرز في الاحتجاجات التي شهدتها تونس طوال العام المنصرم. كذلك تدهور الوضع الأمني وتعددت الهجمات على قوى الجيش والشرطة المدنية وكان آخرها الأسبوع الفائت عندما قُتل ثمانية جنود تونسيين على يد متطرفين قرب الحدود مع الجزائر.
«النهضة» والقضايا الوطنية الكبرى
قبل يوم من اغتياله، كان «شكري بلعيد» يتحدث في لقاء تلفزيوني عن مخاطر الخطاب التحريضي والتخويني الذي تحمله حركة «النهضة» ضد معارضيها محذراً من انتشار ظاهرة «الاغتيال السياسي» نتيجة هذا الخطاب ونتيجة النشاط المشبوه للجماعات التكفيرية والمتطرفة في تونس، الجماعات ذاتها الداعمة لحركة «النهضة»، ولهذا تم السكوت والتغطية على نشاطها في تجنيد مسلحين للقتال في سورية وفي ترهيب وتكفير المجتمع التونسي. المخاطر والمشاكل ذاتها تحدث عنها مطولاً القيادي «البراهمي» قبل اغتياله وركّز الاهتمام، وهو العروبي القديم، على القضيّة الفلسطينية والأزمة السورية، فالإخوان وقبل استلامهم السلطة كانوا يجاهرون بالعداء للكيان الصهيوني، لكن وبعد وصولهم للسلطة استضافت تونس برعاية الإخوان المؤتمر الأول لما يسمى «أصدقاء سورية» والذي حوى كل القوى الحليفة للعدو الصهيوني. بالمقابل فإن القضية الفلسطينية التي لطالما حظيت بتأييد ودعم الشعب التونسي لم تأخذ موقفاً داعماً واحداً من حكومة «النهضة»، بل وأكثر من ذلك فقد لبى راشد الغنوشي زعيم النهضة دعوة معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الذي أسسته وترعاه منظمة إيباك الصهيونية بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية، وألقى محاضرة في المعهد.
تحولات الحركة السياسية التونسية
أزمة سلطة حركة «النهضة» ناتجة عن فشل حقيقي وواضح في حمل هموم وآمال الشعب التونسي على المستوى الاقتصادي الاجتماعي والسياسي والوطني، وهي مرتبطة بأزمة حركة الإخوان المسلمين عموماً حيث استلمت الحركة السلطة في مصر والمغرب وحتى تركيا، واليوم تتحدد بشكل أدق المهام الوطنية المطلوبة من الأحزاب والقوى السياسية التي تطرح نفسها بديلاً للإخوان، ولكن المشكلة أن هذه التحالفات ولعل أهمها «الجبهة الوطنية للإنقاذ» التي تشكلت بين حركة «نداء تونس» الليبرالية وبين الجبهة الشعبية وغيرها من القوى والأحزاب ذات التوجه اليساري، يحمل في داخله تناقضات شديدة في التوجهات الاقتصادية الاجتماعية، لكنه ناتج في الواقع من التناقض الأساسي مع حركة الإخوان في طريقة إدارة المرحلة الإنتقالية، والتي ارتكب فيها الإخوان خطايا كبرى بدءاً من التغاظي عن الحركات السلفية التي تساهم في الاغتيال السياسي بغطاء من النهضة، إلى فتح باب الجهاد للتونسيين في سورية وتعريض حياة أولاد البلد للخطر، ونهايةً التراجع عن المواقع المتقدمة التي يحملها الشعب التونسي تجاه القضية الفلسطينية والمعاداة للصهيونية والولايات المتحدة.
توجهت الحكومة إلى القروض من البنك وصندوق النقد الدوليين بشروط تقليص الإنفاق الحكومي وتعديل منظومة الأجور والسماح للشركات الخاصة بتوظيف 30% من العمالة الأجنبية في الوقت الذي تعجز فيه الحكومة عن تأمين وظائف لأكثر من 800 ألف تونسي عاطل عن العمل!