التشاركية في المخابز... حين يتحول رغيف الفقير إلى سلعة ربح
فرح شرف فرح شرف

التشاركية في المخابز... حين يتحول رغيف الفقير إلى سلعة ربح

في 20 آب 2025 أعلنت المؤسسة السورية للمخابز، عبر الصفحة الرسمية لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عن إجراء اختبار للتعاقد مع عدد من المواطنين الذكور حصراً لتشغيل المخابز وفق ما سمّته نظام التشاركية. وبعدها بيوم واحد، في 21 آب، صرّح مدير عام المؤسسة، محمد طارق الصيادي، لصحيفة الثورة بأن «آلية التشاركية منهج عمل جديد هدفه الأول تحسين جودة الرغيف وتسهيل وصول مادة الخبز إلى المواطنين بأفضل المواصفات». وأوضح أن المؤسسة تقدم التجهيزات والمستلزمات، بينما يتكفل «المشرف» باليد العاملة وأجورها حسب الإنتاج بالطن، إضافة إلى تحمّل كامل أعمال الصيانة خلال فترة العقد.

لكن خلف هذه اللغة «الإدارية» و«التطويرية» تكمن حقيقة أكثر خطورة مفادها التنازل التدريجي عن المال العام، وعن الخبز كركيزة أساسية للأمن الغذائي، لصالح القطاع الخاص الباحث عن الربح.

الرغيف... آخر خطوط الدفاع

الخبز ليس مجرد سلعة، بل هو أساس حياة ملايين السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر. أي مساس به، سواء عبر رفع سعره أو خفض وزنه وجودته، يعني تهديداً مباشراً للأمن الغذائي. والحديث عن «التشاركية» يبدو كخطوة تمهيدية لنقل مسؤولية تأمين هذا القوت من الدولة إلى القطاع الخاص، الذي لا يتحرك إلا بدافع الربح، وأولى شروطه دائماً وأبداً تركز على تحرير الأسعار.

خصخصة الأرباح وتأميم الخسائر

المعادلة واضحة بمعالمها الرئيسية، القطاع الخاص سيستفيد من بنية تحتية ممولة بالكامل من المال العام– مخابز وتجهيزات قائمة– ليحقق أرباحاً من بيع الخبز، بينما تبقى الخزينة العامة والمواطن المرهق تحت عبء تكاليف الصيانة والخسائر. أي إننا أمام صيغة مثالية «لخصخصة الأرباح وتأميم الخسائر»، حيث تجني قلة من المتنفذين المكاسب، فيما يتحمل الشعب والدولة الخسائر.

تمهيد لإلغاء الدعم

لم ينسَ المواطنون أن المؤسسة نفسها، بتاريخ 19 آب 2025، أعلنت نيتها «مشاركة القطاع الخاص لتحسين جودة رغيف الخبز»، الأمر الذي فُهم فوراً على أنه قد يكون خطوة عملية نحو إلغاء الدعم كلياً.
فالدولة التي عجزت عن ضبط شبكات الفساد والسمسرة في توزيع الخبز، تبحث الآن عن «شريك» يرفع عنها عبء المواجهة مع الشارع.
أي إن الخبز، الذي كان آخر ما تبقى من مظلة دعم، بات مرشحاً للتحرير الكامل.

استفزاز لكرامة الناس

حين يُحوَّل الرغيف– الذي كان يمثل رمز الصمود والكرامة– إلى أداة ربح، فهذا لا يُعتبر مجرد سياسة اقتصادية فاشلة، بل استفزاز مباشر لملايين الجياع.
فبدلاً من حماية المال العام وتوجيهه إلى تأمين القوت اليومي، يجري استنزافه لصالح قلة من المتنفذين، تحت شعارات «تحسين الجودة» و«رفع الكفاءة».

النتيجة... تجويع ممنهج

المواطن اليوم أمام معادلة قاسية، رغيف ينهب من وزنه وجودته بحجة «الدعم»، وسعر يهدد بالتحليق عالياً تحت غطاء «التشاركية». وبذلك تتحول لقمة العيش، التي هي حق طبيعي لكل إنسان، إلى سلعة فاخرة لا يقدر عليها إلا الميسورون، فيما يترك الفقراء لمصيرهم.

حلقة جديدة في مسلسل النهب

التشاركية ليست سوى عنوان مخملي لسياسة جوهرها التخلي عن المال العام، وترك المواطن وحيداً في مواجهة الجوع. والرغيف، الذي كان يوماً رمزاً للمساواة والحق في الحياة، يُحوَّل اليوم إلى ورقة استثمار بأيدي القطاع الخاص.
هذا ليس إصلاحاً ولا تطويراً، بل حلقة جديدة في مسلسل النهب الممنهج لحقوق الناس وكرامتهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1240