الأسعار ترتفع دون سقوف والجوع يتعمق والدولة مغيبة!
ترتفع أسعار المواد والسلع في الأسواق بشكل يومي ولحظي دون رقيب أو حسيب، وخاصة المواد والسلع الغذائية الأساسية، لتكرس حالة انفلات سعري غير مسبوقة وغير مبررة، والنتيجة الطبيعية لذلك مزيد من العوز والجوع المعمم!
فقد تراوحت نسب الزيادة السعرية على المواد والسلع في الأسواق بين 30-100% خلال فترة لا تتجاوز أسبوعين، وقد طالت الزيت النباتي والسمون وزيت الزيتون والرز والشاي والبن والحليب والألبان والأجبان والطحينة والحلاوة واللحوم و..، بالإضافة إلى لأدوات الكهربائية والمنزلية والألبسة والمفروشات و...
فسعر كيلو السكر وصل إلى 12 ألف ليرة، وكيلو السمن النباتي 27 ألف ليرة، والزيت النباتي 22 ألف ليرة، والبن 100 ألف ليرة، واللبن 6500 ليرة، والجبنة 15 ألف ليرة، والبيضة 1300 ليرة، وقرص الفلافل 250 ليرة، وحتى الدخان من الإنتاج المحلي ارتفع سعره لمرتين على التوالي خلال الأسبوع الماضي، فباكيت الحمراء القصيرة (لف) على سبيل المثال ارتفع سعره من 2300 ليرة إلى 3000 ليرة، ثم الى 3500 ليرة، بنسبة زيادة 52% خلال أسبوع واحد فقط!
مقابل ذلك فإن معدلات الأجور (في العام والخاص) تراوح مكانها بين 100-300 ألف ليرة وسطياً!
الأسعار الرسمية غير معترف بها!
يتم تحديد أسعار غالبية السلع والمواد في الأسواق من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ومديرياتها في المحافظات (مركزياً أو مكانياً) بالتنسيق مع المنتجين والمستوردين وبحضورهم وبحسب بيانات التكاليف التي يقدمونها، مع إضافة هوامش الربح المحددة إلى حلقات التجارة، ومع ذلك لا يتم التقيد بهذه الأسعار، حيث يتم تجاوزها في الأسواق وبشكل كبير بحسب السعر التحوّطي للدولار الذي تعاد عمليات التسعير على أساسه يومياً، وأحياناً لعدة مرات بنفس اليوم!
وقد أصبحت آلية التوزيع المتعارف عليها للبضائع والسلع من قبل المستوردين وكبار التجار على محال بيع المستهلك في الأسواق تقتصر على البيع النقدي ولكميات محدودة، مع وقف التوزيع أو تقنينه على بعض السلع مع كل متغير وتذبذب بسعر الصرف!
فالتحكم والسيطرة على حركة البضائع والسلع في الأسواق (نوعاً وكماً وسعراً) أصبحت أعلى وأشد، وتزداد تمركزاً بيد القلة القليلة من كبار الحيتان يوماً بعد آخر!
ذريعة سعر الصرف الساقطة!
تجاوزت نسبة الارتفاعات السعرية الكبيرة ذريعة رفع الأسعار ارتباطاً بمتغيرات سعر صرف الدولار مقابل الليرة، فخلال الأسبوعين الماضيين استقر سعر الصرف الرسمي وانخفض في الموازي، ومع ذلك استمرت الأسعار بالارتفاع بنسب كبيرة دون ضوابط أو سقوف!
وعلى اعتبار أن أسعار السلع في السوق هي أسعار تحوطية تعتمد سعراً تجارياً للدولار أعلى من الرسمي والموازي سلفاً، فحتى ذريعة ارتفاع سعر صرف الدولار الجمركي الرسمي تعتبر غير مبررة!
فسعر الدولار الجمركي ارتفع من 6500 إلى 8500 تقريباً، بنسبة زيادة 23,5%، مقابل ذلك فقد كان السعر التحوطي بحدود 15 ألف ليصبح 20 ألفاً الآن، بنسبة زيادة 33% وهي أعلى من نسبة الزيادة على الدولار الجمركي، ولتصبح نسبة الزيادة التحوطية أكبر من 75% مع سقف مفتوح للزيادة فيها!
فمتغيرات سعر الصرف كانت ومازالت ذريعة لمزيد من النهب والاستغلال، تضاف إلى ذرائع العقوبات والحصار، مع الكثير من اللامبالاة الرسمية حيال ذلك، إن لم نقل الصمت الذي يعني الموافقة والتشجيع!
ذراع تدخلي مشلول!
ذراع التدخل الإيجابي للحكومة في الأسواق (لمصلحة المستهلك كما يفترض) المتمثل بالسورية للتجارة هو ذراع مشلول ومتحكم به أيضاً!
فالتشكيلة السلعية التي تتعامل بها السورية للتجارة، والمعروضة للبيع في صالاتها، عبارة عن مواد وسلع يتم التزود بها من التجار عبر آليات الشراء القطعي أو عبر آليات البيع بالأمانة، وهذه وتلك من الآليات متحكم بها من قبل المورّدين وليس من قبل المؤسسة، نوعاً وكماً وسعراً، بما يضمن للموردين هوامش أرباحهم، مع إضافة هامش ربح المؤسسة طبعاً!
أما عن نسبة 15% من المواد المستوردة، التي من المفترض أن تستلمها المؤسسة بسعر التكلفة من المستورين (رز- سكر- طون- سردين- شاي...) استناداً إلى تعليمات وقرارات رسمية، فهي كميات قليلة بالمجمل (بحال تم استلامها)، وبالتالي لا تأثير لها على مستوى تلبية احتياجات الاستهلاك!
ولم يقف الأمر عند ذلك، فقد واكبت السورية للتجارة الأسواق، ورفعت أسعارها لكافة السلع والمواد، الغذائية وغير الغذائية بنسب تتراوح بين 20-30%، مع استمرار تسجيل غياب بعض المواد في منافذها وصالاتها!
والأكثر من كل ذلك هو التقصير بتوزيع وتسليم المواد المقننة المدعومة (سكر- رز) للمستحقين، وابتلاع حقوق هؤلاء بمخصصاتهم المفترضة ضمن سياق سياسة تخفيض الدعم الجائرة، وصولاً إلى دورتين خلال العام وبواقع مخصصات عن 4 أشهر فقط، ما يعني الاضطرار للجوء إلى السوق لتأمين احتياجاتهم منها!
وحتى احتياجات السورية للتجارة من المواد الأساسية لتوزيعها عبر البطاقة الذكية يتم التزود بها من خلال المستوردين عبر المناقصات، وليس استيراداً مباشراً من قبلها!
فالذراع التدخلي للحكومة بالواقع العملي أصبح امتداد لأذرع المتحكمين بالسوق ولمصلحتهم، ومن الطبيعي بعد ذلك أن تكون أسعار السوق أدنى مما هي عليه في صالات السورية للتجارة، على العكس من ادعاءات المؤسسة، ومن الطبيعي أكثر ألّا تكون المؤسسة منافساً فاعلاً في الأسواق بالنتيجة!
العين البصيرة ويد النهب والفساد الطويلة!
الأزمة بالواقع الملموس ليست بالمواد والسلع ومدى توفرها في الأسواق، فالسوق مليء بما لذ وطاب من السلع والمواد على اختلاف أصنافها وأنواعها، بل بأسعارها المرتفعة والمستمرة بالارتفاع دون ضوابط ودون مبررات، استغلالاً ونهباً وفساداً (بذرائع سعر الصرف والسياسات النقدية والعقوبات والحصار وبدونها)، وبواقع مستويات الدخل المتدنية، المرتبطة أساساً بالسياسات الأجرية الرسمية الظالمة والمجحفة، والعاجزة عن تأمين أبسط الاحتياجات الغذائية للأسرة، ولو بأدنى حدود هذه الاحتياجات بعد سلسلة تخفيض معدلات الاستهلاك التي فرضت على الأسرة طيلة السنوات الماضية وحتى الآن!
يضاف إلى ذلك سياسات تقليص الإنفاق العام وسياسات تخفيض الدعم الجائرة على السلع والخدمات (سكر- رز- مازوت- غاز- كهرباء- طبابة- تعليم...) التي كرّست العوز مع تكبّد تكاليف إضافية عليها، بما في ذلك الاضطرار للجوء إلى السوق السوداء على حساب الضرورات الحياتية الأخرى، وصولاً إلى تكريس تغييب دور الدولة، وابتلاع مهامها وواجباتها تباعاً!
فالأرقام المتداولة حول ما آلت إليه حال السوريين لا تعبّر عن واقعهم الفعلي معيشياً وخدمياً، فالغالبية من السوريين أصبحوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، متجاوزين عتبات الفقر المدقع، وصولاً إلى الجوع الكارثي المعمم بكل ما تعينه العبارة من معنى!
ومن المفروغ منه أن المتحكمين بحياة السوريين وبمصائرهم، القلة من كبار حيتان النهب والفساد والنفوذ في البلاد، والمستقوين بالسياسات التوحشية التي أصبحت مفصلة على مقاسات جشعهم ونهبهم غير المحدود، لا يعنيهم أمر العباد والبلاد، مع مساعي يائسة من قبلهم لتأبيد هذا الواقع الكارثي منعاً لأي تغيير حقيقي منشود ومستحق يكنسهم مع السياسات الداعمة لهم، وهو ما يجب أن ينجز بأسرع وقت!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1134