حملة جمركية بغاية الجباية
ما زالت تداعيات الحملة الجمركية على بعض المحال التجارية في مدينة حلب مستمرة، وما زال الكثير من ملابساتها ونتائجها قيد التداول، ليس داخل حلب فقط، بل وفي كل المحافظات السورية وأسواقها.
الحملة التي جرت نهاية العام الماضي على بعض أسواق مدينة حلب من قبل دوريات الجمارك السرية القادمة من دمشق، والتي كان من نتائجها إغلاق بعض المحال التجارية، ومصادرة بعض البضائع فيها على أنها مهربة، كان لها الكثير من التداعيات على مستوى العمل التجاري في المدينة، وعلى مستوى علاقة التجار بغرفتهم ومع الجهات الرسمية.
بعضٌ مما جرى
لم يقف دور ومهام الحملة كنتيجة عند إغلاق بضع المحال، أو من خلال مصادرة بعض البضائع، بل جرى توقيف بعض التجار أيضاً، الأمر الذي كان له الكثير من الأصداء السلبية بين أوساط التجار، سواء في مدينة حلب أو في غيرها من المدن، فقد تركزت الاهتمامات بهذا الصدد على دور الجمارك في البداية، وهل يحق لها اتخاذ مثل هذه الإجراءات وبهذا الشكل، أم إنها قد تجاوزت بعضاً من مهامها بهذا الشأن؟
رد الفعل الأولي كان عن لسان رئيس غرفة تجارة حلب، حيث طالب الجمارك بالتعاون الودي مع التجار، بنفس الوقت الذي طالب فيه التجار بعدم بيع البضائع التركية المهربة، وذلك بحسب ما نقلته إحدى وسائل الإعلام نهاية العام الماضي، بعد أن لجأ التجار إلى الغرفة على ضوء الحملة ونتائجها، حيث قال رئيس الغرفة: إن التجار اشتكوا إليه أن الجمارك دخلوا إلى المحال التجارية بأسلحتهم، متمنياً عدم تكرار ذلك!
وبحسب ما نقل عن رئيس الغرفة أيضاً، فقد جرى التوسط من أجل إطلاق سراح 6 تجار ممن لديهم إجازات استيراد، ما يؤكد ما رمى إليه بعض التجار من أن الجمارك خلال حملتها لم تتبين فيما إذا كانت البضائع المصادرة مستوردة بشكل رسمي من عدمه، بل إن بعضها كان من الإنتاج المحلي، ومع ذلك جرت عملية المصادرة والإغلاق لبعض المحال، وذلك بحسب بعض التجار المتضررين.
وقد تبع ذلك خلال الفترة الماضية وحتى الآن الكثير من الأخذ والرد بين التجار والصناعيين، والكثير من الجهات الأخرى بما في ذلك الرسمية، فلكل من هذه الجهات رؤيته عن دور الجمارك وواجباتها، أين تبدأ وأين تنتهي، وكذلك لكل منها مصالحها التي تدافع عنها.
إجماع على إدانة التهريب والبقية بعهدة القضاء
الحملة كان من نتائجها المعلنة، بالحد الأدنى، أن أجمع التجار مع الصناعيين على الدور الهدام والسلبي للبضائع المهربة في الأسواق، سواء ناحية المنافسة غير العادلة مع المحلي الشبيه، أو بشكل عام كنتائج سلبية على الخزينة العامة وعلى مجمل الاقتصاد الوطني، وقد ظهر ذلك من خلال الصفحات الخاصة لغرف التجارة والصناعة حول الموضوع، وما أثير حوله من لغط وملابسات، حيث تم التأكيد على ضرورة قمع ظاهرة التهريب ومحاسبة القائمين عليه، وخاصة الحيتان.
أما عن ملابسات الحملة بذاتها، أو بنتائجها، فقد أُسهب بالحديث عنها أيضاً عبر وسائل الإعلام، وعلى ألسنة بعض التجار، سواء المتضررين من الحملة المذكورة أعلاه، أو من غيرهم من التجار، خاصة وأن ملفاتها أصبحت بعهدة القضاء المختص الآن، حيث سيكون هناك قول الفصل بالنتيجة فيما إذا كانت الحملة قد حققت بعض جدواها على مستوى ضبط المهربات، وفيما إذا كان هناك من أُجحف بحقه من التجار أم لا؟!
الجمارك والدور التكاملي
مع التأكيد على أهمية تكامل الأدوار المناطة بالجمارك، والتأكيد على ضرورة التنسيق عند اللزوم مع بعض الفعاليات الاقتصادية، التجارية والصناعية، عند ممارسة الجمارك لبعض مهامها، ومع التأكيد على ضرورة الالتزام بالتعليمات الناظمة لعمل الضابطة الجمركية، فالحملة كانت لها بعض النتائج الإضافية على مستوى إعادة طرح بعض الأسئلة الملحة، وخاصة حول دور الجمارك في ردع التهريب وقمع المهربين خلال السنوات الماضية وحتى تاريخه.
فالأصل في المهام بالنسبة للجمارك افتراضاً هي الحدود أولاً، ليأتي بعدها الدور الإضافي الثانوي والمكمل، وهو العمل السري في الأسواق داخل المدن لمتابعة ما قد يتواجد فيها من مهربات لم تثمر جهود الجمارك الحدودية في ضبطها، ليس من أجل ضبطها ومصادرتها فقط، بل والأهم هو معرفة مصادرها وشبكاتها العاملة، وكيف تسللت إلى الداخل، وذلك من أجل الحد منها، وقمعها ما أمكن ذلك.
فالمهربات المختلفة تغزو الأسواق والمحال، وخلف هذه المهربات هناك شبكات عاملة بين الداخل والخارج، وهي ليست بعيدة عن أوجه الفساد طبعاً، وهي تجني مبالغ طائلة من الأرباح على حساب الخزينة العامة والاقتصاد الوطني عملياً، وما كان لهذه المهربات أن تصل إلى هذه الأسواق بداية لو أن الجمارك كانت قد مارست دورها ومهامها على الحدود وعلى المنافذ الحدودية قبل دخولها.
فهل قامت الجمارك بدورها على هذا المستوى، وهل استنفذت دورها عبر الحدود المفتوحة للتهريب والمنافذ الحدودية؟
وأين السرية في المتابعة الجمركية عندما تقف حدود عملها في الأسواق داخل المدن على مصادرة البضائع المهربة، والتسوية أو المصالحة عليها لاحقاً؟
فعمل الجمارك وفقاً لمجريات واقع الحال على الحدود وفي الأسواق، وما فيها من مهربات مختلفة الأنواع والمصادر، ووفقاً لمجريات الحملة الأخيرة في حلب ونتائجها، يبدو وكأنه موسمي، كذر للرماد في العيون، أو بغاية تحقيق عائدات جمركية، كجباية، من خلال المصالحات والتسويات ليس إلا!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1000