بيوت دمشق القديمة تتداعى والاستثمار مُنقذ
«انهار منزل وجزء من منزل آخر اليوم في منطقة القنوات بدمشق القديمة دون أن يتسبب ذلك بوقوع إصابات».
كان ذلك خبراً وارداً عبر موقع سانا بتاريخ 31/12/2019، أي مع نهاية العام الماضي، كخاتمة مأساوية للعام أصابت قاطني أحد البيوت، ومالكي البيت الآخر، مضمون الخبر أعلاه.
تفاصيل
في التفاصيل بحسب ما أفاد به مصدر في قيادة شرطة دمشق لمندوبة سانا: «المنزلان القديمان في حارة التيامنة في منطقة القنوات مكونان من الخشب والطين، مشيراً إلى انهيار أحدهما وهو مهجور، فيما تهدمت غرفة من المنزل الآخر في الوقت الذي لم يكن قاطنوه داخله واقتصرت الأضرار على الماديات».
وعزا المصدر سبب الانهيار إلى «قدم المنزلين والأحوال الجوية السائدة».
بيوت متهالكة ومخاطر محدقة
الحادثة أعلاه لم تكن الأولى في المنطقة، فقد سبقها الكثير من الحوادث المؤسفة المشابهة خلال السنوات والعقود الماضية، ونأمل أن تكون الأخيرة وألا يصاب أحدٌ بمكروه، لا بالأبدان ولا بالممتلكات.
بالمقابل لا بدَّ من الإشارة إلى أن غالبية أبنية دمشق القديمة، حالها كحال البنائَين المنهارين أعلاه، فهي قديمة ومتهالكة وقد تكون معرضة لنفس المصير، خاصة وأنَّ فصل الشتاء في بدايته، والأمطار لم تفعل فعلها بعد في البيوت الخشبية والطينية، باعتبارها من مكونات النسيج المعماري لغالبية البيوت الدمشقية القديمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بعضها يعتبر أثرياً ومسجلاً رسمياً ضمن قوائم السياحة والآثار، بالإضافة إلى جميع بيوت دمشق القديمة «داخل السور» المسجلة كتراث أثري أيضاً، وهذه وتلك ممنوع القيام بعمليات الترميم اللازمة لها إلا بناءً على موافقة مسبقة ووفقاً لشروط وضوابط معينة، الأمر الذي أدى إلى مزيد من التهالك بهذه البيوت عاماً بعد آخر خلال العقود الماضية، مع العلم أنَّ غالبيتها ما زال مشغولاً من قبل المواطنين كسكن، وبعضها عبارة عن مشاغل، وربما القليل مُفرغ من قاطنيه بسبب تهالكه وعدم التمكن من استخدامه بوضعه الراهن، أي إن المخاطر المحدقة بهذه البيوت، كما بالقاطنين والشاغلين، تتكرر كل عام، وخاصة مع أمطار فصل الشتاء.
دمشق القديمة بلا حماية عملياً
أما المؤسف فهو أنَّ هذه البيوت ونتيجة هذا الشكل من التعامل الرسمي معها، وفي ظل ضيق ذات اليد من قبل مالكيها أو قاطنيها باعتبار أن عمليات الترميم وفقاً للضوابط والقيود الآثارية والتراثية تعتبر مرتفعة جداً، ولا يمكن القيام بعمليات الترميم الضرورية غير المكلفة إلا «بطلوع الروح» بحسب البعض، أصبحت تتهاوى الواحد بعد الآخر، على مرأى ومسمع (السياحة والآثار ومحافظة دمشق ومكتب عنبر)، وغيرها من الجهات التي تعتبر وصائية وصاحبة القول الفصل بما يخص هذه البيوت، دوناً عن إرادة المالكين والقاطنين والشاغلين ومصلحتهم وسلامتهم.
والنتيجة، أن الحماية المفترضة لهذه البيوت تفقد مبرراتها عملياً، ففي كل عام نسمع عن حادثة هنا وكارثة هناك، اعتباراً من الانهيارات وليس انتهاءً بالحرائق، أي إن دمشق القديمة تفقد كل عام المزيد من البيوت، كما يندثر معها المزيد مما يجب حمايته فعلاً من خلال هذا الشكل الافتراضي عديم الجدوى عملياً.
الاستثمار له اليد الطولى!
أما المفارقة فتتمثل من خلال تغوُّل الاستثمارات في دمشق القديمة وعلى حساب هذه البيوت المسجلة للحماية الأثرية داخل السور وخارجه، والملاحظة الملفتة على هذا الجانب أنَّ عمليات الترميم اللازمة لهذه البيوت المتهالكة تتسارع عندما يوضع أحدها بالاستثمار، بعيداً عن كل ما يحكى عن الحماية والضوابط، فعمليات الترميم تجري بما يتناسب مع المشروع الاستثماري المزمع أولاً وآخراً.. هكذا وبقدرة قادر، وكأن الاشتراطات والقيود السياحية والآثارية المفروضة على المالكين والقاطنين والشاغلين تذوب أمام هذا التغوُّل لأصحاب الاستثمارات السياحية، وخاصة المطاعم والفنادق التي غزت المنطقة!.
وعلى الرغم من كثرة الحديث عن هذا الملف القديم، وبرغم الكثير من المطالبات من قبل أصحاب البيوت وقاطنيها وشاغليها، وبرغم كل التهالك المرئي عليها والحوادث المؤسفة بها، إلا أن خارطة الانهيار والاندثار المتتابع عاماً بعد آخر هي السائدة حتى الآن، اللهم باستثناء نموذج الحماية الاستثمارية الذي أصبح يفعل فعله كمنقذٍ لهذه البيوت أكثر من حماية السياحة والآثار والمحافظة، وأكثر من كل القيود والضوابط، بل وكأن هذه القيود والضوابط لم توضع ولا يتم التمسك بها إلا كرمى عيون المستثمرين ولمصلحتهم ومصلحة زيادة أرباحهم فقط لا غير!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 947