مؤتمر «تطويري» لتكريس الطبقية
اختتم مؤتمر التطوير التربوي أعماله بتاريخ 28/9/2019، وقد كانت حصيلته مجموعة من التوصيات، وذلك بحسب المحاور التي تم بحثها خلاله، والتي امتدت على مدى ثلاثة أيام في قصر المؤتمرات في دمشق، تحت عنوان «رؤية تربوية مستقبلية لتعزيز بناء الإنسان والوطن».
المحاور والتوصيات كانت متناسبة مع عنوان المؤتمر، وربما لا يسعنا أن نحملها أكثر مما تحتمل، فهي أولاً وآخراً محض «رؤية» ليس إلا، وطبعاً ذلك لا يقلل من أهمية بعض مما طرح على المستوى النظري، فالمؤتمر وخلاصاته وتوصياته لم تلامس عمق مشكلة التعليم والتعلم المتمثل بالسياسات التعليمية ذات الجوهر الطبقي من الناحية العملية.
نقاط تمّ طرحها
وزير التربية: «لم يعدْ مهماً بالدرجة الأساسية في عصرنا أن نمتلكَ المعرفة، بل المهمّ والأساس والأولويّ أن نمتلكَ مهارَة الانتفاعِ بها.. أهميةُ ارتباطِ التعليم بسوقِ العمل، ومراكزِ الإنتاج.. تغيير المناهجِ وتطويرِها يستدعي بيئةً مدرسيةً مواكبةً وملائمة، بدءاً بالبناء إلى آخرِ مستلزماتِ العمليةِ التربوية.. كلّنا يعرفُ ويدركُ أهميةَ المدارسِ في العمليةِ التربويِة، لكنّ إتاحةَ التعلمِّ عن طريقِ المدارسِ لوحدِها، لا تضمنُ وجودَ المجتمعِ المتعلمِ العارفِ..».
معاون وزير التربية: «التعليم هو القاعدة الأساسية لتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، والإسهام في نهضة المجتمع والارتقاء به.. التفكير والتخطيط والعمل الجدّي لعقد مؤتمر التطوير الوطني يأتي من أجل تكوين رؤية وطنية إستراتيجية متقدمة للتربية والتعليم في الجمهورية العربية السورية حتى عام 2030 وفق متطلبات القرن الحادي والعشرين في ضوء تحولات المجتمع الراهن..».
معاون وزير التعليم العالي: «ضرورة التنسيق والتشاركية بين وزارة التربية والتعليم العالي، والعمل وفق آليات وخطط وقوانين محددة لربط مخرجات التعليم بسوق العمل..».
بعض المحاضرين والمتداخلين: «مهنة التعليم تعد من أرقى المهن الإنسانية، والالتزام بالأخلاقيات يسهم في تحسين المجتمع وينمي السلوك الأخلاقي للمجتمع، لينعكس على مخرجات التعليم.. وجوب الاعتراف بالواقع الحقيقي، وإظهاره، والكشف عن البقع السوداء في جسد المنظومة التربوية، وتشخيصها وعلاجها.. أهمية تحصين الجيل بالفكر العلمي الذي هو عماد مجتمع المعرفة، من خلال مدرسة نموذجية جاذبة للطلبة ببنائها وبنيتها ومواصفاتها.. القطاع التعليمي في سورية يواجه تحديات كبيرة، ووجوب العمل على تعزيز العلاقة بين الجهاز التربوي والطالب بشكل أكبر.. التعليم مشكلة عالمية، ولا يحصل الجميع عليه.. ولذلك يجب على واضعي المناهج أن يدركوا إلى أين هم ذاهبون؟.. القيم إحدى موجّهات العمل التربوي، وفي ضوئها يمكن تحديد هوية العملية التربوية ومكوناتها ولا سيما المناهج التربوية.. تطوير سياسة القبول الجامعي، وتطوير السلم التعليمي، وربطه بالميول والاتجاهات وتنويع المسارات.. التفكير يُعد من أهم المهارات التي تجعل المتعلم على درجة عالية من المعلومة، كما تساهم مهارات التفكير العليا في صناعة القرار واتخاذه.. التعرض المزمن للتوتر في مرحلة الطفولة المبكرة يجعل دماغ الطفل أكثر استجابة للتوتر اللاحق طيلة الحياة..».
محاور والتوصيات
تم تبويب التوصيات وفقاً للمحاور التي جرى طرحها والنقاش حولها، وهي: - الفلسفة التربوية والإستراتيجية الوطنية المستقبلية للتربية في سورية- الأدوار المتغيرة للمعلم والمتعلم في القرن الحادي والعشرين- تطوير المناهج التربوية ومكوناتها، ودورها في تعزيز بناء الوطن والمواطن- تطوير التعليم المهني والتقني- نحو بيئة مدرسية محفزة وراعية لأجل مدرسة المستقبل- الارتقاء بجودة التعليم ومتطلباتها- واقع رياض الأطفال وآفاق تطويرها- التقويم من منظور مستقبلي.
وفيما يلي بعض ما ورد من توصيات استناداً إلى المحاور أعلاه:
- توفير أنشطة تدفع المتعلّم إلى المشاركة في بعض القضايا والمشكلات المجتمعية، والتركيز على الأنشطة التي تُنمي لديه المهارات العليا للتفكير- تحسين واقع المعلم من النواحي المادية والمعنوية الاجتماعية بما يساهم في تعزيز دوره في العملية التعليمية- تعزيز مفهوم الوطن وقيم المواطنة، وتنمية المسؤولية الوطنية لدى المتعلمين- تفعيل مناهج التربية المهنية في مرحلة التعليم الأساسي، وتطبيق نظام التوجيه المهني على تلاميذها- ربط التعليم المهني والتقني بسوق العمل، ومشاركة مرافق المجتمع والمؤسسات المستفيدة من التعليم المهني، في الأنشطة والبرامج في مؤسسات التعليم المهني والتقني- تحويل المدارس المهنية والمعاهد التقنية إلى مراكز إنتاج - توسيع آفاق متابعة التعليم العالي لخريجي المدارس المهنية والمعاهد التقنية من خلال إيجاد مسارات جديدة..
المصالح الطبقية تحدد الاتجاه
لا شك أن التطوير والتغيير، على كل المستويات وبكافة الحقول، مطلب وحاجة وضرورة، بالمقابل لا بدَّ من التأكيد على أن تحديد اتجاه هذا التطوير والتغيير هو العنصر الأهم، فالضرورات «التطويرية» بالنسبة للشرائح الطبقية المسيطرة والمتنفذة والمغتنية، اقتصادياً وسياسياً وإيديولوجياً، تختلف عنها بالنسبة لبقية الطبقات والشرائح المسيطر عليها المفقرة والمهمشة، وبالتالي، فلا غرابة إن كانت اتجاهات التطوير المنشود تتناسب مع مصالح هذه الشريحة المسيطرة من أجل استمرار سيطرتها، وهي على ذلك ربما تبحث عن التغيير الذي يؤبد سيطرتها إن أمكن ذلك ليس إلا!.
فالطبقات والشرائح الطبقية المسيطرة، تمتلك سلطة الدولة التي تستخدمها لخدمة مصالحها الطبقية، وهي تمارس هذه السيطرة على كافة الحقول، بما في ذلك الحقل التعليمي، بما يتوافق وينسجم مع تجديد واستمرار وجودها، وخاصة على مستوى استمرار الشروط المادية لهذه السيطرة، أي تجديد واستمرار علاقات الإنتاج القائمة نفسها، وإعادة إنتاج هذه العلاقات بجوهرها وقاعدتها ونتائجها المتمثلة بنسب توزيع الثروة بين أصحاب الأجور وأصحاب الأرباح، لمصلحة أصحاب الأرباح على طول الخط، وبالتالي، بداهة من المستحيل على هذه الطبقات المسيطرة أن تعمل على أي نهج «تطويري» قد يضر بمصالحها الطبقية، سواء على مستوى السياسات الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو التعليمية أو... فالمطلوب من أي تغيير أو تعديل أو تطوير هو الحفاظ على المواقع الطبقية للجماعات والأفراد في ظل علاقات الإنتاج القائمة مع استمرار السيطرة الإيديولوجية التي تتحكم بالوعي وتوجهه، وليس أقدر من النظام التعليمي على ذلك، بالتوافق والتنسيق مع بقية الحقول الثقافية والمعرفية، وليس أسهل من تحميل أجهزة الدولة وبال ذلك، بحيث تبدو العملية وكأنها بمعزل عن إرادة وسيطرة وتحكم هذه الطبقات والشرائح.
أما المؤسف بما يخص واقعنا، فهو أن علاقات الإنتاج المشوّهة لم تكن إلا نتاج وإفراز طبيعة الطبقات والشرائح المسيطرة الأكثر تشوهاً، وقد انعكست هذه التشوهات على كافة البنى، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية و.. بحيث أضحت نموذجاً للتشوُّه، ومع كل تغيير «تطويري» تزداد هذه التشوهات وتتعمق، وذلك كون الاتجاه العام للتغيير لم يخرج عن حيّز هذه السيطرة وغاياتها وجوهرها الطبقي، مع استمرار كل ظواهر الإعاقة التي تحول دون أي تطوير حقيقي آخر يصب في مصلحة الطبقات المفقرة والمهمشة، والقوى المنتجة عموماً، كحلقة مغلقة ومفرغة تظهر وكأنه لا فكاك منها.
وبالعودة إلى مؤتمر «التطوير» أعلاه بمحاوره ونقاطه وتوصياته ربما تتضح بعض معالم تحديد الاتجاه «التطويري» المنشود من قبل المستفيدين منه، اعتباراً من تكريس السياسات التعليمية المعمول بها، مع عدم ممانعة إضافة بعض الرتوش التجميلية عليها، مروراً بعدم إيلاء الجانب الاقتصادي المعيشي للمعلم والمتعلم القدر الكافي من الاهتمام، وليس انتهاءً بتركيز الحديث عن التعليم المهني دون سواه، مع مساعي توسيعه على مستوى مرحلة التعليم الأساسي أيضاً، بالإضافة إلى التركيز على ربطه بسوق العمل المسيطر عليه سلفاً من قبل الطبقات المسيطرة ولمصلحتهم، مع الكثير من الأمثلة الأخرى التي تؤكد غايات إعادة إنتاج علاقات الإنتاج المشوهة ذاتها، ودون رتوش.
وربما للحديث الكثير من التتمات التي لا تتسع لها المساحة المتاحة لمادة صحفية..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 933