الشام بتجمعنا والاستثمار يفرقنا
دارين السكري دارين السكري

الشام بتجمعنا والاستثمار يفرقنا

للعام الثاني على التوالي يتم احتكار حديقة تشرين في دمشق لمدة شهر كامل، من تاريخ ١٨ تموز الحالي وحتى ١٧ آب المقبل منذ الساعة الـ 5 عصراً حتى 11 مساءً، لمصلحة فعاليات الدورة الثانية من مهرجان «الشام بتجمعنا«، الذي يجري برعاية محافظة دمشق وغرفة تجارة دمشق ووزارة السياحة، على حساب حق المواطنين بهذه الحديقة كمتنفس ومكان للتنزه.

وبما أن الفعاليات لهذا العام تم تصنيفها بـ«الدورة الثانية»، فهذا يعني أنّ هناك دورات وفعاليات لاحقة ستجري كل عام على هذا المنوال من استلاب وانتهاك للحقوق، ليس على مستوى احتلال المساحات داخل الحديقة العامة فقط، بل على مستوى الدخول المجاني المفترض للحدائق العامة، حيث فُرض رسم دخول للحديقة 200 ليرة عن كل مواطن لصالح محافظة دمشق، الأمر الذي يحول دون إمكانية الكثير من المواطنين للذهاب إلى حديقة تشرين ولمدة شهر كامل من كل عام على هذا الأساس.

«الشام بتجمعنا» والفرز الطبقي 

المهرجان المسمى «الشام بتجمعنا» فقد معناه على هذا الأساس من احتكار الحديقة العامة وفرض رسم الدخول إليها، ناهيك عما استولت عليه الاستثمارات من مساحات دائمة داخل هذه الحديقة كمطاعم ذوات النجوم للنخبة من الرواد الأثرياء، وغيرها من أوجه وأشكال الاستثمارات الترفيهية الأخرى، على أيدي محافظة دمشق، ولمصلحة المستفيدين والمستثمرين، ضاربة عرض الحائط بحق المواطنين بحديقتهم المفترض بأنها عامة ومجانية بكامل مساحتها وخدماتها.

فإذا كانت «الشام بتجمعنا» فإن ما جرى ويجري بحديقة تشرين تحت عناوين الاستثمار والتربح والبحث عن الموارد أدى ويؤدي إلى تفريقنا، بل وإلى المزيد من فرزنا طبقياً، فمن معه المال يحق له الدخول للحديقة العامة، ناهيك عما يملكه من إمكانات تفسح له المجال للاستمتاع بالمطاعم ووسائل الترفيه، بل وحتى الخدمات، ومن ليس معه من المفقرين ممنوع عليه الدخول إليها، رغم حقه المصان بها افتراضاً بموجب القوانين التي يجري انتهاكها تباعاً.

خسارة أم ربح

الملفت بموضوع المهرجان، الذي سيصبح موسماً وفرصة سنوية للتربح على حساب الحقوق، أنه وبحسب ما نقل عن مصدر مطلع في غرفة تجارة دمشق عبر وسائل الإعلام قال: «التوجه لطرح المهرجان للاستثمار جاء بعد وجود معارضة كبيرة في الغرفة لتنظيم الدورة الثانية بعد الخسائر التي تكبدتها العام الماضي بنحو 60 مليون ليرة، نتيجة النفقات الكبيرة التي دفعت لإقامة المهرجان والتي كان يجب العمل على تخفيضها قدر الإمكان».

والسؤال الذي يتبادر للأذهان هل فعلاً المهرجان خاسر؟، وإذا كان كذلك لماذا الاستمرار به، بل والبدء بتصنيفه رقمياً تمهيداً لاستمراريته خلال السنوات القادمة؟.

الربح مؤكد وكبير

ربما لا داعي للبحث في الموضوع، فعدد المشاركين من الفعاليات بهذا المهرجان كبير، وعدد المستثمرين به والمنتفعين منه بكافة المجالات الاستثمارية بالمئات.

فقد تم تقسيم مساحة الحديقة إلى قطاعات وأقسام، وكل قطاع وقسم تمت تسميته بحسب نشاط المستثمرين (حرفيين- بازار- مهن يدوية- شارع الأكل.. إلخ)، وتتراوح رسوم الاشتراك لهذه الأنشطة حسب المساحات المحجوزة.

فمثلاً، آجار «الستاند» في المهن اليدوية هو 20000 ليرة للمتر الواحد في اليوم، طبعاً في حال كان الحجز عن كامل الشهر، حيث ترتفع هذه القيمة بحال كان الحجز لعدد محدود من الأيام فقط، وبالتالي، فإن بدل الإيجار للستاندات يتراوح بين 180000- 500000 ليرة، حسب المساحة والأيام.

أما رسم الاشتراك لـ «الطاولة الواحدة فقط» في القسم الحرفي «150000 ليرة» لمدة شهر كامل، ورسم الاشتراك لـ «الطاولة الواحدة» في البازار تتراوح بين (3000 لـ 5000 ليرة) لليوم الواحد، وقس على ذلك... بحسب المساحات وعدد الأيام وعدد المشاركين. 

فعن أية خسائر يجري الحديث هنا من قبل القائمين على الفعالية الاستثمارية والمستفيدين منها، سواء محافظة دمشق أو غرفة التجارة أو المستثمرين أنفسهم؟.

ملاحظات على الهامش

واقع الحال يقول إن رواد الحديقة كبير، بغض النظر عما إذا كانوا من المفقرين ومحدودي الدخل الذين يضطرون لتكبد رسم الدخول دون إمكانية التمتع بالرفاهيات فيها خلال فترة المهرجان، مع كظم الغيظ من المشاهدات الترفيّة، خاصة بحال كان معهم أطفال، أو من المليئين الذين تستقطبهم المطاعم وأشكال الترفيه الأخرى، سواء خلال فترة المهرجان أو خارجه.

لكن أول ما يفاجأ به مرتادو الحديقة، سواء خلال فترة المهرجان أو خارجها، هي الروائح الكريهة المنبعثة من نهر تورا المار بالحديقة، بحيث تزكم الأنفاس، في المكان الذي من المفترض به أن يكون متنفساً ومتنزهاً، والسؤال الذي يتبادر للذهن أين محافظة دمشق من ذلك كون هذا الموضوع من مسؤوليتها وواجباتها المباشرة؟

كذلك فإن الدخول إلى دورات المياه الموجودة في الحديقة يعتبر من سابع المستحيلات، بسبب افتقارها للنظافة، والروائح الكريهة المنبعثة منها تعبق في محيطها بحيث تمنع حتى من الاقتراب منها، فكيف بالاضطرار لاستخدامها؟!. وهي أيضاً من مسؤولية المحافظة بشكل عام، ومن مسؤولية القائمين على إدارة المهرجان خلال الفترة المحجوزة باسمه ولصالح المستثمرين به.

لا حسب ولا رقيب

بمطلق الأحوال، فإن القائمين والمستثمرين في المهرجان لا يعينهم من عنوان (الشام بتجمعنا!!) إلا ما يحققونه من أرباح من جيوب المواطنين، فقرائهم وأثريائهم على السواء، خلال فترة المهرجان، «والحبل ع الجرار» مع ما يمكن أن تحمله لنا السنوات القادمة من استثمارات جديدة داخل هذه الحديقة أو سواها، طالما أن محافظة دمشق لا يعنيها أمر انتهاك حقوق المواطنين بحدائقهم العامة، ووجائبهم، بل وأرصفتهم، بذريعة البحث عن الموارد وفرص الاستثمار دون حسب أو رقيب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
924
آخر تعديل على الأربعاء, 31 تموز/يوليو 2019 14:30