السورية للتجارة.. خطوات منقوصة ومُجيَّرة
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

السورية للتجارة.. خطوات منقوصة ومُجيَّرة

اهتمام حكومي مفاجئ ومنقطع النظير بما يخص السورية للتجارة «لترسيخ حضور المؤسسة السورية للتجارة كلاعب أساس في التجارة على المستوى المحلي باعتبارها الذراع الحكومي الأقوى والنافذ لتأمين احتياجات المواطنين من المواد الأساسية والتموينية والسلع الاستهلاكية بأسعار منافسة وجودة ونوعية في مواجهة التحديات والحصار الاقتصادي على الشعب السوري»، وذلك بحسب ما ورد على الموقع الرسمي للحكومة بتاريخ 26/6/2019 نتيجة الاجتماع الذي كان مخصصاً لهذه المؤسسة.

الاجتماع خرج بمجموعة كبيرة من القرارات والتوصيات التي تصب بمحور عمل المؤسسة ومهامها، اعتباراً من البيئة التشريعية والإدارية الخاصة بها، مروراً بمنحها القروض بلا فوائد من أجل التوسع بتواجدها، حيث تم تخصيصها بمبلغ 4 مليارات ليرة لهذه الغاية، وليس انتهاءً بتخصيصها بنسبة 25% من المستوردات الممولة من المركزي لتوفير السلع بأسعار منافسة.

قرارات إيجابية ولكن!

لا شك أن جملة القرارات والتوصيات أعلاه كانت من المطالب الملحة والمتكررة منذ سنوات بالنسبة لمؤسسات التدخل الإيجابي قبل دمجها، واستمرت لما بعد الدمج كمطلب للسورية للتجارة، بما في ذلك المطلب الأكثر إلحاحاً، وهو: السماح لها باستيراد بعض السلع والبضائع الاستهلاكية، الغذائية أو غيرها، وذلك لتوفيرها في الأسواق فعلاً بأسعار منافسة مع مثيلاتها المستوردة من قبل القطاع الخاص، الأمر الذي كان غائباً على مستوى القرارات المتخذة حكومياً رغم أهميته.
في المقابل، كان لافتاً ما تم التوصل إليه من قرارات بحسب ما ورد عِبر الموقع الحكومي من خلال العبارة التي تقول: «تحديد السلع المنتجة محلياً التي يتم احتكارها لتوفيرها عن طريق الاستيراد بالسعر والنوعية المناسبة للمواطنين».
ولا ندري كيف من الممكن أن تترجم هذه العبارة وتُجيّر عملياً، خاصة عندما تصبح المنافسة مع السلع المنتجة محلياً عبر السورية للتجارة أهم من المنافسة مع السلع المستوردة من قبل القطاع الخاص، ولمصلحة من ستُجيَّر هذه الآلية بحال تطبيقها كنتيجة نهائية؟.
فالمنتج المحلي، صناعي أو زراعي أو حيواني، بل وحتى حرفي صغير أصلاً، بحاجة للدعم وتوفير مستلزماته وتخليصه من صعوباته للنهوض من كبوته، وليس فتح بوابات إضافية عليه تمنعه من الاستمرار وتحد من تطويره، تحت مسمى دعم السورية للتجارة هذه المرة!.

أين دور هيئة المنافسة؟

ربما بهذا الصدد تجدر الإشارة والتذكير بوجود هيئة حكومية متخصصة بموضوع الاحتكار، هي الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار، التي من المفترض أن تمارس مهامها بمواجهة حالات الاحتكار الموجودة، سواء على مستوى البضائع المنتجة محلياً أو البضائع والسلع المستوردة، أما أن يتم التغاضي عن الإجراءات الرسمية التي من الممكن أن تقوم بها هذه الهيئة على الرغم من التأكد من وجود حالات الاحتكار، والعمل بعيداً عنها عِبر الاستيراد لكسر هذه الحالات من الاحتكار، فهو أمر يحمل الكثير من التناقض بعمل الهيئات الحكومية.
فكيف من الممكن أن تقوم جهة حكومية ما «بتحديد السلع المنتجة محلياً التي يتم احتكارها» ولا يتم اللجوء للجهة الحكومية المناطة بها هذه المهمة كي تقوم بما عليها من واجبات مقوننة تجاه هذه الحالات؟.

الحد من تغول القطاع الخاص

لا بدّ من القول: إن غالبية السلع والبضائع الموجودة ضمن صالات السورية للتجارة هي بضائع قطاع خاص، منها ما هو مشترى قطعياً وبشكل مباشر، وكل البقية الباقية معروضة بهذه الصالات عِبر أسلوب البيع بالأمانة، الذي ما زال متبعاً حتى الآن، ناهيك عن الكثير من الصالات التي تُعتبر حكراً على مستثمري القطاع الخاص من بابها إلى محرابها، وفقاً لهذه الآلية، ناهيك عمّا تم تعهيده استثماراً للقطاع الخاص من بعض الصالات، بالإضافة إلى بعض الصالات التي ما زالت مغلقة دون معرفة الأسباب الحقيقية خلف ذلك، وكل ذلك لم يتم ذكره خلال الاجتماع، ولم يرشح بشأنه أي قرار بهذا الشأن، علماً أن الحدَّ الأدنى مما يجب أن يتخذ بهذا الشأن من قرارات هو الحد من تغوّل القطاع الخاص بكل مسمياته، وخاصة التاجر والمستورد، داخل هذه الصالات ولمصلحته، مع الاستثمار والتشغيل الأمثل للصالات التابعة للمؤسسة عِبرها مباشرة بعيداً عن الخاص، وهي جدُّ كثيرة ومنتشرة في جميع المدن والمناطق والبلدات والقرى. فما يجري عملياً هو أن القطاع الخاص هو المستفيد من العدد الكبير لهذه الصالات، ليس المستهلك، على مستوى الجودة والسعر، ولا المؤسسة نفسها.
ولعل كل قرارات وتوصيات الدعم الحكومي أعلاه لن تصب بالنتيجة إلا في مصلحة القطاع الخاص على حساب القطاع الحكومي، وفقاً لما جرى ويجري ووفقاً لآليات العمل المتبعة، ولعل الزيادة في الأمر أن السورية للتجارة ستصبح عَقَبة إضافية للتذرع بها بوجه القطاع الخاص المنتج أيضاً، كتجيير مباشر للتوجيه الحكومي أعلاه.

تذكير لا بدَّ منه

للتذكير، السُكَّر والشاي والبن والزيوت والمتة والكثير من المعلبات والسلع الأخرى، بكافة تسمياتها ومصاردها، مستوردة من قبل القطاع الخاص، سواء كانت ممولة أو غير ممولة، بل وبعضها محكتر من قبل عدد محدود من المستوردين دون سواهم، أليس الأجدى كسر هذا الاحتكار وفسح المجال أمام المؤسسة لتستورد هذه السلع بدلاً من الالتفاف على هذا الموضوع عبر تحديد نسبة 25% لصالح السورية للتجارة، وفقط من الممول منها، علماً أن السورية للتجارة كانت في كثير من الأحيان تعتذر عن استلامها النسب وفقاً لقرارات سابقة، وصولاً لإلغاء هذه النسب لاحقاً، تاركة المجال أمام هؤلاء المستوردين للتحكم بهذه السلع في الأسواق، ولا ندري مدى الإلزام بهذا الأمر الآن؟. علماً أن تحديد هذه النسبة أصلاً لا يحل مشكلة المنافسة بالسعر مع القطاع الخاص في السوق، خاصة في ظل الآليات الالتفافية المتبعة من قبل المستوردين، سواء على مستوى الكميات المستوردة أو على مستوى سعرها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
920
آخر تعديل على الإثنين, 08 تموز/يوليو 2019 14:23