فوضى أجور النقل والشحن مستمرة
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

فوضى أجور النقل والشحن مستمرة

مما لا شك فيه أن قطاع النقل والشحن بين المحافظات السورية تضرر كما غيره من القطاعات خلال السنوات الماضية بنتيجة الحرب والأزمة، كما كانت تداعيات الحرب والأزمة سبباً وذريعة للتفلت من الأسعار والبعد عن أعين الرقابة، والنتيجة: أن حاجة المواطن لهذا القطاع، على مستوى النقل والشحن، وضعته موضع الاستغلال والمزيد منه.

في المقابل، كان دور الجهات الوصائية والمسؤولة عن ضبط عمل هذا القطاع وتسعير خدماته محدوداً ومتواضعاً لدرجة الغياب طيلة السنوات الماضية، وليترك المواطن فريسة المزيد من الاستغلال النابع من مزاجية الشركات العاملة في هذا القطاع وذرائعها، بحيث تجاوزت عشرة أضعاف عما كانت عليه قبل سني الحرب والأزمة.
شكاوى المواطنين واحتجاجهم
الشركات العاملة على خدمة النقل والشحن يمكن تقسيمها إلى فئتين، الأولى هي: الشركات الاستثمارية المرخصة، والثانية هي: الشركات التي تعمل دون ترخيص، بالإضافة إلى الفانات والتكاسي، وهذه وتلك كانت محط شكاوى المواطنين، وموضع الكثير من التساؤلات عن سبب حال الفلتان السعري لقاء خدماتها.
ومع تزايد عوامل الاستقرار، واستعادة الدولة لسيطرتها على الكثير من المناطق، وتكريس المزيد من عوامل الأمان على الطرقات، بدأت ترتفع أصوات المواطنين المحتجين على استمرار التذرع بتداعيات الحرب والأزمة على مستوى الأسعار التي تتقاضاها شركات النقل والشحن لقاء خدماتها، حيث ما زالت الفوضى هي السائدة في عمل هذا القطاع، ليس على مستوى عدد الرحلات اليومية بين المحافظات وعدم انتظام مواعيدها، أو على مستوى سوء الحالة الفنية لوسائط النقل وكثرة أعطالها وتعطلها على الطرقات، بل والأهم: الأسعار التي تتقاضها شركات النقل والشحن لقاء خدماتها، فلكل منها أسعارها الخاصة، وكأن لا ضابط لهذه الأسعار، مع غياب شبه تام للرقابة على تلك الأسعار وما يقابلها من خدمات، مع العلم أنه ومع كل زيادة على أسعار المحروقات طيلة السنوات الماضية كانت تصدر نشرات أسعار تأخذ بعين الاعتبار هذه الفروقات، بما يحقق مصلحة الشركات.
بمسؤولية مديريات حماية المستهلك
على ضوء شكاوى المواطنين على هذه الخدمات، والمزيد منها يومياً، أصدرت وزارة التجارة والداخلية وحماية المستهلك تعميماً إلى مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالمحافظات بتاريخ 1/8/2018، بطلب:
متابعة الشركات من أجل تقديم لوائح تتضمن أسعار نقل الأفراد وشحن البضائع والطرود وذلك خلال أسبوع، على أن يتم تدقيقها وتصديقها من قبل هذه المديريات مع توجيه الشركات للإعلان عنها بمكان واضح وصريح.
في حال حصول شكوى تتم معالجتها بعد التحقق من صحتها من خلال لجنة تضم بعضويتها ممثلاً عن جمعية النقل والشحن مع ممثل عن الشركة المعنية بالمخالفة وعلى أساس النتيجة يتم اتخاذ الإجراء القانوني.
فيما يخص المكاتب غير المرخصة يتم التحقق من هذه الشركات بعد التحقق من الترخيص، وفي حال عدم وجود ترخيص تمنح الشركة مهلة 15 يوماً للحصول على التراخيص اللازمة، وإن لم يتم التقيد تتخذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين.
مطالبة الشركات بضرورة تسيير رحلات يومية إلى المناطق كافة في القطر، وعلى وجه الخصوص (المناطق الشرقية- الشمالية) مع الالتزام بالإعلان عن أجور النقل والشحن بمكان واضح، آخذين بعين الاعتبار طبيعة عمل كل خط (المسافة المقطوعة- الزمن- الوعورة).
يشار إلى أن التعميم أعلاه كان على ضوء نتائج الاجتماع الجاري في الوزارة، والذي ضم ممثلين عن كل من: وزارة النقل- وزارة الإدارة المحلية- المؤسسة العامة للبريد، بالإضافة إلى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
تيتي تيتي
تجدر الإشارة إلى أن التعرفة الكيلومترية لنقل الركاب بين المحافظات ضمن بولمانات شركات الاستثمار (باص- بولمان- رجال أعمال) كان قد تم تحديدها في نهاية عام 2016، بـ /5,5/ ل.س/كم/راكب، وبـ /6,5/ ل.س/كم/راكب، وفي حال وجود وعورة في الطريق أو خطورة يترك تقدير الموضوع لمديريات التجارة الداخلية في المحافظات حسب التعليمات.
بمعنى آخر وعلى ضوء التعميم الأخير أعلاه بتاريخ 1/8، فإن التعرفة الكيلومترية المعتمدة لم تتغير ولم يعاد النظر بها، وتُرك أمر البت بشكاوى المواطنين إلى مديريات حماية المستهلك في المحافظات، عبر لجنة تغيب عنها مصلحة المواطن، باعتبار أن أكثرية أعضائها ممثلين لمصالح شركات النقل عملياً.
ويبقى موضوع الإعلان عن أسعار الخدمات التي تقدمها هذه الشركات لقاء (النقل- الشحن) هو المعيار الذي لا معيار له من الناحية العملية، حيث إن كل شركة معنية ومسؤولة عمّا تعلن عنه من أسعار بعيداً عن أي قاسم مشترك بينها، باستثناء التدقيق والتصديق من قبل مديريات التموين، خاصة مع مفردات مثل: (الوعورة- الخطورة) التي يتم تقدير كل منها على حدة، برغم عدم نفينا لهذه الجوانب، هذا في حال التزمت هذه الشركات بالإعلان أولاً، وبالأسعار المعلن عنها ثانياً.
تباينات صارخة
إذا كان تسعير نقل الأفراد بين المحافظات مرتبطاً بالمسافة الكيلومترية المقطوعة كمعيار أساس يضاف إليه بعض المعايير الأخرى، ومع ذلك هناك الكثير من التباين في الأسعار ذات الطبيعة الاستغلالية التي تطغى عليها الفوضوية، فإن شحن الطرود والبضائع وغيرها من المواد بين المحافظات، يدخل بتفصيلاتها وتبويبها الكثير من العوامل، اعتباراً من الحجم والوزن والنوع، وليس انتهاءً بالمسافة الكيلومترية، ما يعني المزيد من التباينات وانعدام الضوابط، مع ما ينجم عن ذلك من فوضى واستغلال كذلك الأمر.
فالأسعار لدى شركات الشحن المتخصصة تختلف عن أسعار شركات النقل التي تعمل بالشحن بالإضافة إلى النقل، كما تختلف هذه عن تلك بعوامل الزمن والضمان الهامة بالنسبة للمواطنين، وخاصة لأصحاب الفعاليات الاقتصادية (التجارية والصناعية والحرفية والزراعية وغيرها) وبالتالي فإن فوضى الأسعار تضرب أطنابها على هذا المستوى، والتي يدفع ضريبتها المواطن بالنتيجة بسبب حاجته واضطراره، والاستغلال الجاري بحقه من قبل مقدمي هذه الخدمة.
ولعل الموضوع الأهم، هو: أن النقل والشحن بين المحافظات لا يقتصر على الشركات، سواء كانت مرخصة أم غير مرخصة، فمع قلة عدد وسائط النقل التابعة لهذه الشركات وقلة عدد رحلاتها، دخلت على خط النقل والشحن (الفانات والتكاسي) كوسائط للتعويض عن هذا النقص على مستوى تقديم خدماتها للمواطنين، وهذه الوسائط لا ضابط أو ناظم لعملها سوى العرض والطلب والحاجة.
منافسة للمزيد من الاستغلال
والحال كذلك، فإن المنافسة الجارية من الناحية العملية هي منافسة على مستوى المزيد من الاستغلال بحق المواطنين، وليس على مستوى المزيد من الخدمات وتخفيض الأسعار مقابلها، خاصة مع طرق معالجة المشكلة من قبل الجهات المعنية (حماية المستهلك- النقل- الإدارة المحلية- البريد) عبر هذا الشكل من تجيير المسؤولية بالنتيجة إلى الحلقات الأدنى المتمثلة بمديريات التموين في المحافظات عن طريق اللجان المشكلة من قبلها، سواء من أجل التدقيق والتصديق على القوائم السعرية المعدة من قبل الشركات لقاء خدماتها، أو من أجل الوقوف على الشكاوى التي يتقدم بها المواطنون بشكل مباشر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أسعار أجور نقل الركاب بين المحافظات والمدن الرئيسة كانت تصدر مركزياً من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بالاعتماد طبعاً على معايير (المسافة- المحروقات- الصيانة- أجور العاملين- نفقات أخرى).
ولعل بداية الحل لهذه المشكلة، تبدأ اعتباراً من استعادة الوزارة لدورها المركزي على مستوى تحديد أسعار الخدمات المقدمة (نقل- شحن)، تليها عمليات الرقابة والمتابعة، ثم معالجة شكاوى المواطنين وضمان حقهم، بعيداً عن أشكال وأوجه الممالأة والمحاباة لمقدمي الخدمة على حساب المواطنين وحقهم ومصلحتهم.