مأساة الحاجة لفرصة عمل
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

مأساة الحاجة لفرصة عمل

لفت نظري، مطلع الأسبوع المنصرم عبر إحدى الصحف المحلية، مقترح رسمي من إحدى الجهات العامة يقضي بملء الشواغر من الناجحين الفائضين في مسابقات أخرى، أو التعاقد معهم حسب تسلسل درجات نجاحهم.

الملفت أكثر هو طلب جهة عامة أخرى بالموافقة على تخصيص بعض الناجحين بإحدى المسابقات من الفئة الثانية، لإجراء اختبارات لهم لتعيينهم بالفئة الخامسة، هكذا..!
الحاجة رسمياً
لقد ورد عبر الصحيفة، أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رفعت مذكرة لرئاسة مجلس الوزراء بطلب تعديل على أحد قراراتها الناظمة للتعيين يقضي بالجواز للجهة العامة «في حال حصول شواغر أو توفر الاعتمادات مع الحاجة الفعلية للتعاقد السنوي، وذلك حسب أحكام المادة 146 من القرار 66، بحيث يمكن ملء الشواغر من الناجحين الفائضين في مسابقات أخرى، أو التعاقد معهم حسب تسلسل درجات نجاحهم شريطة إيضاح ذلك في الإعلان عن المسابقة أو الاختبار، وذلك خلال مدة عام من تاريخ نشر أسماء الناجحين في المسابقة أو الاختبار».
كما ورد بأن وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي طالبت «بسحب الفائض من مسابقتها المعلنة لحملة شهادة (المعهد التقاني المصرفي– المعهد التقاني للعلوم المالية والمصرفية) تاريخ 3/10/2016، وإجراء اختبار للتعيين على الفئة الخامسة، وطلبت الموافقة على تخصيص كل من المؤسسة العامة للأعلاف بـ14 ناجحاً من حملة شهادة المعهد التقاني التجاري المصرفي والمعهد التقاني للعلوم المالية والمصرفية، إضافة إلى 6 ناجحين لتعيينهم بصفة مستخدم، وتخصيص الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية بـ13 ناجحاً».
الحاجة لفرصة عمل!
مما لا شك فيه أن واقع البطالة، وجيوش العاطلين عن العمل، قد فرضت على الكثير من الطاقات لأن تكون مهدورة على هامش سوق العمل، وخاصة للخريجين من الجامعات والمعاهد، بانتظار أية فرصة يمكن أن تحمل معها بصيص أمل بعمل يغطي بعضاً من تكاليف المعيشة المرتفعة.
أحد الخريجين قال: «بدي شغل، لو بالفعالة، مو معقول ضل بطّال وصار عمري 29 سنة.. كيف بدي أفتح بيت وكوّن عيلة؟».
فيما قال خريج آخر: «عم اشتغل ع هالبسطة ليفرجها ربك، مسابقات ما عاد يمشي حالي بعد كل هالسنين، لك صرت ختيار عبواب الوزارات».
هؤلاء تراهم متابعين لأي إعلان صادر عن أية جهة عامة من أجل التقدم لمسابقاتها، عسى يبتسم لهم الحظ عبر المنافسة فيما بينهم، بالإضافة لمساعيهم الدائمة من أجل الحصول على فرص شبيهة عبر القطاع الخاص، إلا أن واقع الحال يقول: إن فرص العمل المتاحة، عام أو خاص، هي دون إمكانية الاحتواء الكلي لأعداد هؤلاء، كما أن للوساطات والمحسوبيات دورها الحاسم بالنتيجة النهائية على مستوى الحصول على فرص العمل المتوفرة، وأيضاً سواء كان ذلك في القطاع العام أو الخاص.
وبنتيجة ذلك يضطر هؤلاء للتنازل عن بعض حقوقهم، المقترنة بإمكاناتهم وكفاءاتهم، والقبول بأعمال من خارج هذه الكفاءات والإمكانات لدى القطاع الخاص، وبأجر أدنى بالنتيجة من كل بد، والمحصلة ان بعضهم يتمكن من الحصول على فرصة عمل بشروط مجحفة، فيما البقية الباقية تعجز عن ذلك، ليستمر واقع البطالة وجيشها المتزايد عاماً بعد آخر.
هذا الواقع أصبح أكثر تعقيداً وبؤساً خلال سني الحرب والأزمة، في ظل توقف وخروج الكثير من منشآت القطاع الخاص عن العمل، وبسبب قلة الفرص المعلن عنها عبر مؤسسات الدولة وجهاتها المختلفة، مع الأخذ بعين الاعتبار كل النزف الجاري على العمالة بهذه الجهات.
استغلال وبؤس
الأكثر بؤساً بعد ذلك كله أن تبدأ الجهات العامة الممثلة للدولة، بمساعٍ من أجل استثمار هذه الطاقات والكفاءات عبر شروط مجحفة من قبلها تجاه هؤلاء مستغلة حاجتهم لفرص العمل، بحيث يتم تعيين بعضهم بالفئة الخامسة، في حين كان طموحهم أن يعينوا بالفئة الثانية بما يماثل إمكاناتهم، ما يعني بالواقع العملي ليس التخلي عن فئتهم فقط، بل وعن أجرهم الشهري المرتبط بهذه الفئة وما يرافقها من تعويضات ومزايا أخرى، ناهيك عن طبيعة العمل المختلفة بين هذه وتلك من الفئات.
هذا الإجراء قد يعني للبعض فرصة لا تعوض من كل بد، بسبب الواقع المؤسف في سوق العمل، وفرص العمل القليلة المتاحة فيه، إلا أن ذلك لا يمكن أن يبرر للدولة أن تمارس المزيد من الضغط على العاطلين عن العمل بهذا الشكل المجحف بحقهم، فئة وأجراً وتعويضات ومزايا.
إعادة الإعمار وجبهات العمل
أخيراً، لعل الاستفادة من الفائض المتاح من الناجحين في المسابقات لدى الجهات العامة، عبر إمكانية تعيينهم لدى جهات عامة أخرى وفقاً لتسلسل النجاح، فيه الكثير من الإنصاف والعدل، ويحقق بعضاً من المصلحة المشتركة للجهة العامة والمتقدمين لهذه المسابقات والناجحين فيها، كما ويخفف الكثير من الإجراءات والورقيات والروتين المقيت، كما يحد نوعاً ما من الفساد والمحسوبيات والوساطات.
إلا أن ذلك لا يكفي بالواقع العملي، في ظل التدفق المستمر للطاقات إلى سوق العمل، فمن دون فتح جبهات عمل جديدة، والقيام بمشاريع كبيرة، بإدارة ولمصلحة الدولة، عبر مؤسساتها وجهاتها العامة، فإن مشكلة البطالة ستستمر، كما ستستمر معها أساليب الاستغلال والإجحاف.

وبظرفنا الحالي، ونحن على أبواب مرحلة إعادة الإعمار، فإن ذلك يجب أن يكون من أولى أولويات التوجهات الحكومية الرسمية عبر مؤسساتها والجهات التابعة لها، فجبهات العمل الواسعة متاحة، والمشاريع الواجب القيام بها كبيرة وواعدة وضرورية، وهي من المهام الوطنية بالواقع العملي.
لكن الأهم من ذلك كله هو: عدم ترك هذه البوابات حكراً للقطاع الخاص، حسب ما يتم الترويج له والسعي به رسمياً، تحت أي مسمى، وخاصة ما يسمى بالتشاركية، والتي ستزيد على الاستغلال الجاري استغلالاً أوسع وأكبر، ليس على مستوى البطالة وأسواق العمل والتحكم بها، بل وعلى مستوى حقوق الدولة، والاقتصاد الوطني ككل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
828
آخر تعديل على السبت, 16 أيلول/سبتمبر 2017 19:37