ليس تهكماً فقط!
فيما يلي نص ما ورد على موقع الحكومة بما يتعلق باهتمامها بالمتفوقين، حرفياً:
«انطلاقاً من ضرورة الاهتمام بالمتفوقين الأوائل في الشهادات العامة وتشجيعهم على الاستمرار في تفوقهم، ناقش مجلس الوزراء مشروع قانون بتعديل مقدار المكافأة الشهرية التي تمنح للطلاب الأوائل في الشهادات العامة، ليصبح 10 آلاف ليرة سورية للتلاميذ الأوائل في شهادة التعليم الأساسي والإعدادية الشرعية، و 15 ألف ليرة سورية للطلاب الأوائل في الشهادة الثانوية بمختلف فروعها، ووافق على رفعه إلى الجهات المعنية لاستكمال أسباب صدوره».
جهود حكومية مضنية!
لعلنا من خلال النص أعلاه يمكن أن نستشف بعضاً من آليات العمل الحكومي، ومقدار الاهتمام المولى من قبلها للمواطنين بشرائحهم المختلفة، وحجم الأعباء التي تتحملها الحكومة، وتحملها لكادراتها العاملة، أو للكادرات العاملة في الجهات العامة الأخرى، والتي نلخصها بالتالي:
الحكومة تشجع الاستمرار بالتفوق.
الحكومة اقتطعت جزءاً من وقت اجتماعها الأسبوعي وخصصته اهتماماً بالمتفوقين.
الحكومة أقرت رفع مقدار المكافأة الشهرية لهؤلاء.
الحكومة أقرت تعديلاً بنص قانوني متعلق بالمتفوقين تعبيراً عن اهتمامها بهم.
الحكومة رفعت مشروع التعديل من أجل استكمال أسباب صدوره.
الحكومة فرّغت بعض كادراتها العاملة من أجل تثبيت مجريات هذا الاهتمام بمحاضر الاجتماعات.
العاملون على الموقع الحكومي عملوا على إدراج النص أعلاه في الموقع، مع بقية مجريات الجلسة.
سيصدر تعديل القانون لاحقاً، وسيصار إلى نشره والعمل بموجبه، مع مترتبات التعديلات كلها الناجمة عن تطبيقه، من تعديلات في الجداول الشهرية لأسماء المتفوقين، وما سيسبق ذلك، أو سيتبعه، من جهود مبذولة من قبل الكادرات المالية والإدارية القائمة على هذه المهمة بكل محافظة.
بقي أن نقول: إنّ مقدار ما تم الموافقة عليه من زيادة بمقدار المكافأة الشهرية هو مبلغ 5 آلاف ليرة سورية، لكل متفوق!.
والسؤال الذي يتبادر للأذهان بعد ذلك كله هو: لماذا هذا الهدر كله ياحكومة؟
هدر مجحف!
السؤال الآنف ليس من باب التهكم على مقدار الزيادة المقرة والمخجلة، رغم الحق كله بالتهكم حول ذلك وهو ما سيتم إيراده لاحقاً.
بل هو فعلاً هدرٌ للإمكانات والطاقات والوقت والجهد، ليس على مستوى الحكومة وكادراتها، أو الجهات المعنية باستكمال أسباب الإصدار، أو على مستوى الكادرات العاملة على تنفيذ وتطبيق هذه الزيادة الشهرية، بل حتى على مستوى متتبعي أخبار وإنجازات الحكومة، اعتباراً من جهود مسطر هذه المقالة، وليس انتهاءً بقارئها ومتداولها.
لنصل للسؤال الأهم: هل يمكن مقارنة ذلك كله مع حجم الإنجاز الحكومي أعلاه؟
غايات الاهتمام بالتفوق
مما لا شك فيه أن الاهتمام بالمتفوقين وتشجيعهم مرتبط بالكثير من الأهداف والغايات، وهي آلية تربوية ناجعة من كل بد، وهي على ذلك ترتكز على العديد من النقاط، يمكن أن نورد بعضها:
استخدام مبدأ الثواب التربوي عبر تكريم المتفوقين، لتشجيعهم من أجل مضاعفة جهودهم، كما لتحفيز الآخرين للاقتداء بهم.
تكريس روح المنافسة الإيجابية، ليس بين الطلاب فقط، بل وبين المدارس على مستوى المناطق، والمدن والمحافظات.
تحفيز الشعور بالرضى عن النفس لدى المتفوق، لقاء جهوده، بما ينعكس إيجاباً على استكمال تحصيله وتفوقه.
تكريس الأثر الإيجابي للتفوق على المحيط الاجتماعي، داخل المدرسة، وفي المحيط الاجتماعي العام.
تشجيع الإبداع والابتكار، والتحفيز على ممارسة الاهتمامات والمواهب المتعددة، حسب القدرات والميول لدى الطلاب، متفوقين أو متوسطين وضعاف التحصيل الدراسي.
مقدمات لا بد منها
لعلنا بناء عليه يمكن أن نستشف ما يجب توفيره من إمكانات من أجل حسن الاستفادة من التفوق، كما من أجل تكريسه اجتماعياً، كي يستمر الرفد الدائم للمجتمع من هؤلاء، والتي يمكن أن نلخصها بالتالي:
توفير الظروف المناسبة لشريحة الطلاب من أجل تركيز جهودهم باتجاه التحصيل الدراسي والعلمي.
الاهتمام الدائم بهذه الشريحة، وحثها على الاستمرار والمتابعة.
تعزيز الاعتماد على الذات لدى الطلاب، من أجل تنفيذ ما يطلب منهم من واجبات، أو يوكل إليهم من مهام مدرسية.
عدم قمع روح الغريزة، المتمثلة بحب الاستطلاع والاستفسارات والمعرفة لدى الطلاب، بل تشجيعها وتطويرها.
تعزيز القدرة على الملاحظة والتحليل والاستنتاج لدى الطلاب.
تحفيز الطلاب على اقتراح تقديم الحلول للمشكلات، وإشراكهم في الحلول الصعبة منها.
تكريس مفهوم النقد الذاتي لدى الطلاب، من أجل تخطي السلبيات والصعوبات.
توجيه قدرة الخيال الخصبة، والمواهب المتعددة، واستشفاف الطموحات والتركيز عليها.
بذل الجهود من أجل تخليص الطلاب من بعض العادات السيئة ونبذها، بما يحقق التوازن النفسي والاجتماعي، وبما يؤدي لتعزيز الميول الإيجابية ونبذ الميول السلبية.
تقوية الروابط بين المدرسة والمنزل، عبر إشراك أولياء الأمور والمديرين والكادر التدريسي، بكل ما له صلة مباشرة بحسن توجيه جهود الطلاب وحسن استثمارها.
طبعاً ذلك كله لا ينفي أهمية وضرورة إيلاء الاهتمام الخاص بالمتفوقين، بما يعزز إيجابيات التفوق، على المستوى الفردي والاجتماعي، كما لا ينفي وجود الكثير من النقاط والمرتكزات الأخرى الهامة بما يتعلق بالجانب التعليمي والتربوي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 826