نوار الدمشقي نوار الدمشقي

منظومات النقل الجماعي العام هي الحل

أزمة النقل والمواصلات في مدينة دمشق قديمة متجددة، وقد تفاقمت خلال سني الحرب والأزمة بشكل لافت، كما باتت الحرب والأزمة شماعة لتبرير التقصير، وبوابة لاجتراح الحلول الترقيعية ليس إلا.

فعند الحديث عن أزمة النقل والمواصلات، ومنذ ستة أعوام وحتى الآن، يتم التبرير رسمياً بالحديث عن انخفاض عدد المركبات في أسطول النقل العام في دمشق، مع تزايد تعداد السكان فيها، بسبب النزوح من المناطق الساخنة إليها، مع تقديم بعض الاقتراحات التي لا ترقى لأن تكون حلولاً، ولو جزئية لحل هذه الأزمة، وقد كان آخرها ما تم اقراره من أجل ذلك عبر بوابة «التكسي سرفيس» في دمشق.
استعراض تاريخي
أزمة المواصلات المزمنة، تم علاجها سابقاً عبر زيادة أعداد السرافيس العاملة على خطوط النقل داخل المدينة وبمحيطها المتصل مع الريف، وقد تزايدت أعداد هذه السرافيس كحل لأزمة المواصلات، تزامناً مع تراجع دور شركة النقل الداخلي وتزايد أزمة المواصلات، وضرورة تأمين حاجات المواطنين في التنقل والمواصلات، وكانت في الوقت نفسه فرصة كبيرة لجني الأرباح، من قبل بعض المستوردين لهذه السرافيس في حينه.
وبغض النظر عن كل ما قيل، عن دورها في حل مشكلة المواصلات، فقد كان لها انعكاسات سلبية كثيرة، سواء على مستوى حركة المرور، وزيادة الازدحام، أو على مستوى زيادة استهلاك المحروقات، أو اهتلاك الطرقات والانبعاثات الغازية المضرة، وغيرها من الانعكاسات السلبية الأخرى.
وفي مطلع الألفية الجديدة، ومع تزايد الترهل والتراجع بدور شركة النقل الداخلي، والحاجة لفتح خطوط نقل جديدة بنتيجة زيادة النشاط السكاني اجتماعياً واقتصادياً، داخل المدينة وإلى مناطق الريف الدمشقي، تم الترخيص للشركات الخاصة للدخول على بوابة الاستثمار في هذا القطاع، وتم الترخيص لعدد من الشركات الخاصة للعمل على بعض الخطوط داخل المدينة، حيث تم توزيع خطوط النقل بين السرافيس وشركات النقل هذه، مع الغياب المطرد لباصات الشركة العامة للنقل الداخلي، وبما يحقق المزيد من الأرباح في جيوب المستثمرين.
سنوات الحرب والأزمة، أظهرت عمق أزمة المواصلات، كما أظهرت واقع ترهل الشركة العامة للنقل الداخلي، وقصورها عن إمكانية مواجهة هذه الأزمة بظل الاستمرار بإضعاف دورها طيلة السنين الماضية كلها، بما ينسجم مع سياسات اللبرلة والخصخصة الجارية على قدم وساق، المقرة والمعتمدة من الحكومات المتعاقبة، سواء في هذا القطاع، أو غيره من القطاعات الأخرى، كما أظهرت بالمقابل عدم فاعلية الاعتماد على القطاع الخاص بهذا المجال الحيوي المرتبط بحاجات المواطنين اليومية، كخدمة أساسية وهامة، والأهم: أنها أظهرت عدم كفاءة الحلول المقترحة كافةً لحل هذه الأزمة، حيث لا يمكن وصفها إلا بأنها حلولاً ترقيعية، تؤجل مواجهة المشكلة ولا تحلها جذرياً.
أرقام وتصريحات رسمية
في عام 2014، بيّن مدير الشركة العامة للنقل الداخلي بأن عدد السرافيس التي خرجت من الخدمة بحدود 2000 سرفيس من أصل 7000 سرفيس مسجلة على خطوط مدينة دمشق، كما يوجد 26 ألف تكسي أجرة عمومي مسجل في مديرية النقل بدمشق، بينما العدد الحقيقي حوالي 35 ألف تكسي، لكن انخفض هذا العدد ليصل إلى 10 آلاف تكسي، تعمل في المدينة، مؤكداً أن منظومة النقل الجماعي في دمشق تحتاج 1400 باص لكن المتوافر حالياً ومن يعمل 500 باص فقط، من القطاعين العام والخاص، مضيفاً: أنه كان يوجد في السابق 160فنياً وميكانيكياً في الشركة العامة للنقل الداخلي، أما الآن فلم يبق سوى 10 فنيي ميكانيك فقط، ولحل الأزمة تم تخصيص مبلغ 200 مليون ليرة لشراء 100 باص.
وفي عام 2015 أكد مدير شركة النقل الداخلي بدمشق، أنه تم إدخال دفعة جديدة من باصات النقل الداخلي الجديدة، وصلت إلى 50 باصاً من أصل 100 باص، تم التعاقد على استيرادها من الصين، مشيراً إلى رفد قطاع النقل في المدينة بـ 60 باصاً إضافياً تم إصلاحها وإعادة تأهيلها.
وفي شباط عام 2016 قال مدير شركة النقل الداخلي: تعتبر الشركة العامة للنقل الداخلي في دمشق إحدى مؤسسات التدخل الإيجابي وهي الضامن للمواطنين الفقراء لتوفير حاجتهم في النقل الداخلي، وبغض النظر عن أي تكاليف، وأضاف: تعمل الشركة من خلال 150 باص نقل داخلي موزعة على 23 خطاً، وهناك 7 شركات خاصة تعمل في دمشق لديها 200 باص للنقل الداخلي، وقد تم تأمين 100 باص جديد مؤخراً، وتمت إعادة تأهيل 80 باصاً وهي جاهزة للعمل، الآن منها 50 باصاً دخلت العمل وهناك 30 باصاً جاهزة للعمل، لكن لا يوجد سائقين للعمل عليها.
وفي شهر أيلول من العام نفسهِ أكد مدير عام الشركة العامة للنقل الداخلي في دمشق: أن مدينة دمشق تحتاج لأكثر من 400 باص لتغطية الخطوط كافةً، فيما لا تمتلك سوى النصف حالياً.
مطلع عام 2017 أقر مجلس الوزراء استيراد باصات نقل داخلي جديدة لمدينة دمشق، والمحافظات الأخرى، ودراسة حالة الباصات المتوقفة لدى شركات النقل الداخلي كافة، وإصلاحها بشكل كامل، كما جرى الحديث لاحقاً عن تحويل الباصات لتعمل على الغاز بدلاً من المازوت، بالإضافة لوجود اقتراح بإحداث شركة للنقل الداخلي في محافظة ريف دمشق.
حلول ترقيعية
التصريحات والأرقام والبيانات والوعود كافةً التي تم إيرادها آنفاً، والحلول المنفذة كافةً عبر القطاع الخاص، ولمصلحته طيلة السنوات السابقة، لم تحل أزمة المواصلات والنقل، بدليل استمرار هذه الأزمة، واستمرار المعاناة اليومية منها، ليس على مستوى النقل فقط، بل وعلى مستوى التكلفة التي بات يتكبدها المواطنون بمقابل هذه الخدمة، وانعكاس هذه الكلفة على المستوى المعيشي سلباً وبشكل مطرد، حتى أصبحت تكلفة المواصلات والنقل الشهرية لأسرة مكونة من خمسة أفراد بحدود 20 ألف ليرة بالحد الأدنى، أي: أكثر من نصف متوسط الحد الأدنى للأجور رسمياً، ناهيك عن عامل الزمن الذي أصبح عاملاً ضاغطاً، في ظل الازدحامات المرورية الخانقة، وبسبب الحواجز المنتشرة على الطرقات.
لنصل أخيراً إلى صدور قرار عن محافظة دمشق يتضمن إقرار منظومة النقل «تكسي سرفيس» بالمدينة وإقرار تعرفة الركوب لكل خط ضمن المنظومة المقرة، مع استيفاء بدل تسجيل السيارة ضمنها، وقد شملت المنظومة حالياً 4 خطوط، تتراوح تعرفتها بين 200- 250 ليرة للراكب، وتسويق هذا القرار، والإقرار وكأنه الحل السحري لمشكلة المواصلات وأزمتها المستفحلة، وهو بالواقع العملي لا يمكن إيراده إلا ضمن سلسلة الحلول الترقيعية المعمول بها منذ عقود.
زيادة في الأعباء
قد يبدو الحل المُقر مفترجاً أمام المواطنين الذين يعانون من أزمة المواصلات المزمنة، بظل عدم إيجاد الحلول الجذرية لها، أو تغييبها، ولكنه بالمقابل سيكون عبئاً مالياً كبيراً على هؤلاء المواطنين، حيث وبحسبة بسيطة نستنتج أن هذا الحل سوف يكبد المواطنين المزيد من التكاليف على حساب مستوى المعيشة المتراجع أصلاً، فاذا كانت التكاليف على المواصلات بحدود 20 ألف شهرياً، بواقع 50 ليرة كبدل مواصلات للفرد، سرفيس أو باص، فهذا يعني أنها ستتجاوز حدود الـ 50 ألف ليرة بواقع الـ 200 ليرة على هذا البدل للفرد، بحال الاضطرار إلى استخدام منظومة «تكسي سرفيس» الجديدة، بشكل محدود ومقنن، من قبل المواطنين المقيمين على خطوط النقل المعتمدة فيها.
منظومات النقل العام
بالمختصر المفيد فإن أزمة المواصلات لا يمكن لها أن تُحل إلا عبر منظومات النقل الجماعي العام، بعيداً عن الاستثمار والمستثمرين ومصالحهم الآنية والمستقبلية، والبحث عن فرص جني الأرباح من جيوب العباد على حساب حاجاتهم، كما على حساب الكثير من القضايا الأخرى، اعتباراً من استهلاك المزيد من مصادر الطاقة، كالمحروقات بمختلف أنواعها ومسمياتها، وليس انتهاءً بالبيئة والصحة العامة، واستثمار عامل الزمن بشكل إيجابي.
ولعل ذلك يبدأ اعتباراً من إعادة الاعتبار للشركة العامة للنقل الداخلي، وذلك برفدها بالعدد الكافي من الباصات الحديثة، الاقتصادية والآمنة بيئياً وصحياً، وبالعدد الكافي من السائقين والفنيين، بالإضافة إلى الدراسة الجدية لمشاريع النقل الجماعية العامة الأخرى، التي سبق وأن طرحت سابقاً، مثل مترو الأنفاق أو الترام وغيرها، ووضعها موضع التنفيذ، حيث أصبح قطاع النقل والمواصلات المعمول به حالياً من القطاعات المتخلفة عن ركب التطور الجاري على هذا المستوى في البلدان الأخرى، كما عن تلبية الحاجات المحلية المتنامية، ولعله أصبح من الضروري إيلاء الاهتمام الكافي بهذا القطاع، على أن تكون حصة الدولة في هذا القطاع هي الغالبة والمتسيدة فيه، وذلك حفاظاً على مصالح عموم المواطنين، وخاصة فقراء الحال والمعدمين وأصحاب الدخل المحدود، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا القطاع يعتبر من القطاعات الرابحة، وبالتالي فإن أي تمويل حكومي للاستثمار فيه، سيحقق الكثير من الفوائد والعوائد الاقتصادية الاجتماعية، فرص عمل- أرباح - وخدمة عامة....

معلومات إضافية

العدد رقم:
819