الإفقار أشد الأشكال العنفية وأطولها أمداً
سمير علي سمير علي

الإفقار أشد الأشكال العنفية وأطولها أمداً

من الفقر إلى المزيد منه هي نتائج مجمل السياسات الاقتصادية الليبرالية المتبعة منذ عقود، والتي زادت آثارها السلبية خلال سني الحرب والأزمة، لتحصد مزيداً من الفاقة والعوز لدى عموم المواطنين.

الحديث عن الواقع الاقتصادي المعاشي المزري الذي وصل إليه المواطن السوري أصبح تكراره مملاً على المستوى الرسمي على ما يبدو، لدرجة عدم إيلائه أي اهتمام جدي رسمي، اللهم باستثناء بعض التصريحات من هنا وهناك، والتي غايتها الأولى تبريرية، والثانية إعلامية.
المواطن منسي ومغيب
حديث وزير المالية مطلع الشهر الحالي لم يخرج عملياً عن هذا الحيز إطلاقاً عندما قال: «الحكومة تدعم المواطن وتسعى لتأمين الدعم الاجتماعي»، موضحاً أن: «دعم المواطن لا يأتي دوماً بزيادة الرواتب، لأن ذلك كما بينت الحكومة مرتبط ومترافق مع زيادة الأسعار، وبالتالي لن يكسب المواطن من زيادة الرواتب، لذا يتم العمل على دعم المجتمع بأكمله وليس الموظف فقط»، وذلك حسب ما تداولته بعض وسائل الإعلام على لسانه.
ربما لم تعد آليات تفنيد الخطاب الرسمي المعتمدة على لغة الأرقام كافية لدى الحكومة كي ترى الانعكاسات السلبية لسياساتها على مجمل الواقع الاقتصادي المعاشي أو الخدمي لعموم السوريين، علماً أن بعض هذا التفنيد يكون مصدره حكومياً، عبر التقارير الدورية التي تصدرها بعض الجهات العامة، مثل المكتب المركزي للاحصاء، على سبيل المثال لا الحصر.
على كل حال سواء كان التفنيد رسمياً أو غير ذلك، فإن الواقع الحي المعاش هو أشد وطأة وأكثر إيلاماً بالنسبة للمواطنين، الذين يعيشون أصلاً هذا الواقع الرقمي بتناقضه الصارخ بين الدخل والإنفاق، كفجوة واسعة ومتسعة باستمرار، تعجز الأرقام عن سبر غورها وآثارها المتصلة بالحياة اليومية لهذا المواطن المنسي والمغيب هو ومعاناته رسمياً.
عنف متعدد الأشكال
ستة أعوام من الحرب المتواصلة كانت مصدراً للكثير من أشكال العنف التي تعرض لها السوريون، من التشرد للنزوح واللجوء والقتل والخطف والاعتقال والاستغلال والخوف والقلق وغيرها الكثير.
كما كانت الحرب بالمقابل ذريعة للمزيد من الممارسات العنفية الإضافية بحقه، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وسواء كان القائمون على هذا العنف رسميين أو غير رسميين، تمثلت بتفاصيل حياته اليومية، وتمظهرت كنتيجة عبر أشكال الفقر والعوز والجوع، مع تداعياتها السلبية كلها على المستوى الاجتماعي الاقتصادي والأخلاقي، والتي تقف خلفها السياسات الحكومية، وكبار التجار والمستوردين والمهربين وتجار الحرب والأزمة الجدد، الذين واتتهم الفرصة لجني المزيد من الأرباح على حساب المواطن وأمنه ومعيشته، وهذه بعض النتائج الحية الملموسة للممارسات العنفية المتعلقة بالمستوى المعيشي والخدمي والصحي وغيرها، بانعكاساتها السلبية ليس على الواقع الراهن فقط، بل على المستقبل كذلك الأمر، حيث لم يعد الأمر مقتصراً على سرقة ونهب المقدرات الحالية والمستقبلية للبلد عبر السياسات الليبرالية المتبعة رسمياً، بل وصلت لحدود شكل ونموذج البنية الجسدية للمواطنين، حيث أصبح المواليد الجدد أصغر حجماً وأشد نحولاً، وأقل جمالاً، فأي عنف وقسوة أكثر من ذلك، عبر الحكم المسبق على جيل المستقبل أن يكون أكثر فقراً وعوزاً، وأقل صحة وبنياناً وجمالاً.
الفقر قاتلٌ
الحرب والأزمة إلى نهايتها أولاً وآخراً من الناحية العملية، ولعل ما يجب أن يعنينا هو كيفية معالجة تداعيتها ونتائجها العنفية الحالية والمستقبلية، والأهم هو الوقوف الجدي على الممارسات العنفية الأخرى، المباشرة وغير المباشرة، المتعلقة بالمستوى المعاشي المتردي ونتائجه الحالية والمستقبلية كذلك الأمر.
ولعل هذه وتلك لا يمكن أن ترى النور طالما أن الحكومة مستمرة بسياساتها المحابية لأصحاب الأرباح على حساب البقية المتبقية من السوريين، ولو كان ذلك على حساب مستقبل هؤلاء ومستقبل الوطن عموماً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
814