«المتاجرة بالكلمة»..  تراجمة محلفون يؤجرون أختامهم ووزارة العدل تعترف!

«المتاجرة بالكلمة».. تراجمة محلفون يؤجرون أختامهم ووزارة العدل تعترف!

عرضت بعض المكتبات في منطقة البرامكة والحلبوني، ومناطق أخرى وسط دمشق، إعلانات عن توفر «ترجمان محلف». عدة مخالفات ترتكبها هذه المكتبات، لكن المخالفة الأكبر هي التي يرتكبها «الترجمان المحلف»، والذي من المفترض أن يكون «مؤتمناً على الكلمة»، ولهذا السبب وضع بمنصبه بعد مسابقة.

 

في هذه المكاتب، يوجد سمسار وهو صاحب المكتب، ويعمل لديه أكثر من مترجم غير مرخص، هم إما خريجو كليات اللغات أو معهد اللغات أو حتى طلاب خضعوا لدورات معينة، وغالبية من يعمل بهذه المكاتب غير مرخص لهم للعمل، وحتى المكاتب ذاتها غير مرخصة لهذه المهنة، إلا أنها تعمل وعلناً دون أية ضوابط.

صيد ثمين

تعتمد آلية عمل هذه المكاتب، على اتفاق مبرم مع أحد المترجمين المحلفين، حيث يقوم المكتب باصطياد الزبائن وترجمة الأوراق عبر من يعملون لديه، وبعدها يحول صاحب المكتب «السمسار» الأوراق إلى المترجم المحلف، ليختمها فقط، بعدها يتقاضى الترجمان حصته من الأوراق التي ختمها وهي «الحصة الأكبر» بحسب أحد العاملين في الترجمة، وبعدها السمسار، وفي نهاية الشهر يحصل المترجمون غير المرخصين على راتب شهري «هزيل».

تجار الكلمة

يقول هذا المترجم غير المرخص لـ «قاسيون»، وهو خريج أدب فرنسي: إن «أصحاب هذه المكاتب عبارة عن تجار أزمة، وهم يعملون في سوق لا يوجد من يراقبها، فالقضية لا تضبط بدوريات جوالة من التموين أو الجمارك أو أقسام الشرطة، ولا  توجد أية جهة معينة يمكن أن تضبط من يعمل بهذه المكاتب وفق نص قانوني واضح».

وتابع «وزارة العدل مسؤولة عن المترجمين المحلفين فقط، والأخطاء التي يمكن أن يرتكبوها، وهي من المفترض أن تكون مسؤولةً عن الأسعار، لكن الأسعار باتت خياليةً ويتحكم بها أولاً وأخيراً المترجم، فهو يفرض ما يريد، ويتحكم بحاجة من يريد الترجمة وغالباً هم أشخاص يعملون بأوراق السفر والذين زاد عددهم كثيراً خلال سنوات الأزمة».

70 ألف لـ 4 أوراق

المترجم غير المرخص، سمى لـ «قاسيون» أحد المترجمين إلى الألمانية  وهو بصفة دكتور، يجلس في مكتب وحده، ويوجد أكثر من مترجم غير مرخص يعملون لديه، إضافةً إلى مكاتب متعاقدة معه، وقال: «مؤخراً، طلب هذا المترجم من سيدة 70 ألف ليرة لقاء ترجمة 4 أوراق، هي عبارة عن ضبط شرطة، أي أن الورقة الواحدة بحوالي 17500 ليرة».

وتابع «استغل المترجم حاجة السيدة لترجمة هذه الأوراق خلال ساعات، لهذا طلب سعراً مرتفعاً للغاية، وما كان للسيدة إلا أن تقبل لعدم وجود خيارات أخرى لديها، فهذا المترجم المسيطر على السوق تقريباً»، مشيراً إلى أن «أغلب الأوراق التي تتم ترجمتها يومياً، صيغها جاهزة لدى المكاتب كقيد النفوس وما إلى ذلك من أوراق موحدة الشكل، وكل ما يقوم به المكتب هو: تعديل التاريخ والأسماء أو الأرقام، والمترجم يختم، والفاتورة من 2000 ليرة إلى 5 آلاف للورقة ويزيد في حال تحجج المترجم بأنه عدل كلمة أو كلمتين».

تأجير الأختام!

وزارة العدل المعنية أولاً وأخيراً بضبط عمل التراجمة المحلفين، لم تنكر الظاهرة، بل أكدت على وجودها، حيث كشفت معاون وزير العدل سحر عكاش في حديث إذاعي، عن الكثير من التجاوزات التي يرتكبها هؤلاء، ومنها تأجير الختم، بينما يجلس المترجم في منزله.

وأضافت عكاش أن بعض العاملين في هذه المكاتب غير مؤهلين، وبعض المترجمين يتعاملون مع المهنة كتجارة، ويتقاضون 5 آلاف ليرة لكل 200 سطر، وسابقاً كان الزبون يضع الوثيقة في اليوم الأول ويأخذها في اليوم التالي، بينما بات موعد الحصول على الأوراق المترجمة حالياً بعد شهر، ومن هو على عجلة من أمره عليه أن يدفع أكثر.

 تأكيد وزارة العدل على وجود التجاوزات، لا يعني أنها ليست المسؤولة عن وجودها، فمنذ عام 2007 لم تعلن الوزارة عن أية مسابقة لاعتماد تراجمة محلفين حتى عام 2015، أي أن أعداد التراجمة بقيت محصورةً بعدد معين حوالي 8 سنوات، وبالتأكيد قل عددهم خلال الأزمة كما هو حال قطاعات العمل كلها، وبالتالي ساهم هذا الواقع بخلق «مافيات الترجمة» على حد تعبير أحد أصحاب المكاتب، وسيطرة عدد محدود منهم على السوق طارحاً مثال «سوق الترجمة إلى الألمانية الذي يسيطر عليه 4 تراجمة في دمشق أحدهم يسيطر وحده على 70%، والثلاثة المتبقين يتقاسمون الـ 30% المتبقية».

مسابقتان خلال 8 سنوات

في مسابقة عام 2015 تقدم حوالي 2268 شخصاً  إلى 10 لغات فقط من بينها الألمانية والإيطالية والفرنسية والإنكليزية واليابانية والصينية والروسية واليونانية والفارسية، وذلك من أصل  17 لغة دخلت ضمن إعلان المسابقة، ونجح من المتقدمين 455 مترجماً محلفاً، لكنهم لم يظهروا على الساحة بعد، فقد تم الإعلان عن نتائج المسابقة في عام 2016.

61 عاماً ولم يطبق القانون

القانون القديم الذي ينظم مهنة التراجمة المحلفين، يعود إلى عام 1953 وبقي سارياً حتى عام 2014 (61 عاماً) حيث صدر القانون 22 الذي «نظم بشكل واضح عمل التراجمة» بحسب عكاش، التي أكدت بذاتها: أن تطبيق القانون الجديد لم يبدأ يعطي نتائجه بعد، لعدم تشكل اللجان التي من المفترض أن تضبط المهنة.

ونص القانون بالمادة 12 منه وفقاً لعكاش، على تشكيل لجنة لشؤون التراجمة المحلفين في كل محافظة، تقوم  بضبط عمل التراجمة ومحاسبة المترجم الذي يرتكب أي خطأ، كون الخطأ في الكلمة بأية وثيقة قد يعرض حاملها لتبعات قانونية قد تسبب له المشاكل.

وأكدت معاون الوزير: أنه سيتم تشكيل لجنة تأديب لمحاسبة المخالفين ومنع المتاجرة بالمهنة، مشيرةً إلى أن «اللجان ما زالت قيد التشكيل وسيرأس كل لجنة قاضٍ وممثل عن وزارة التربية وآخر عن وزارة التعليم العالي وخبيران مختصان من التراجمة السابقين».

إذن، وزارة العدل تعترف أن المهنة لم تضبط حتى اليوم  خلال 6 سنوات أزمة على الأقل، كون اللجان التي نجمت عن القانون الجديد لم تشكل بعد، علماً أن عدم الإعلان عن مسابقات منذ 2007 ساهم بتفاقم الوضع المستمر  بعلم الجهات المعنية بضبطه.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
800