بعد تراجع القطاع الزراعي.. مائتا قرية عطشى في حماة.. وأصحاب النفوذ يحولون مجرى النهر!!
تقول الوقائع إن قصوراً كبيراً شاب تنفيذ مشروعات الري واستصلاح الأراضي في الخطط التنموية كافة، المنفذة في سورية. فخلال أكثر من 15 عاماً لم تزد المساحة الكلية المزروعة، ولم تزد مساحة الأراضي المروية، وانعدم الربط بين فروع الزراعة وفروع الاقتصاد الوطني، في جميع المجالات، من حيث العلاقات المادية والنقدية، والتكاملية الإنتاجية، والتسويقية والسعرية والتمويلية، وانعدم إجراء المسوح اللازمة للأراضي، لمعرفة صلاحيتها وإنتاجيتها لأنواع الزراعات، ما نجم عنه ولأسباب أخرى من ضمنها السبب السعري وسيادة قانون العرض والطلب، سيادة التشتت والفوضى في اعتماد زراعة أنواع معينة أو تطوير محاصيل معينة، وغلبت النزعة الفردية في كثير من المعالجات واتجاهات المعالجة، فعوضاً عن البحث في إمكانية تطوير مزارع الدولة وزيادتها، وتطوير الحركة التعاونية الزراعية باعتبارها أساساً حاسماً لحل مشكلات الزراعة، جرى تعميق الاتجاه نحو حفز الفعاليات الخاصة والنشاط الفردي.. وأخيراً حُلَّت المزارع وضُرِبت الحركة التعاونية.
بعد ابتداع يافطة اقتصاد السوق الاجتماعي، واعتبار السياحة قاطرة النمو حسب الفريق الاقتصادي، وبعد حزمة القرارات الانفتاحية المعروفة، تم ضرب القطاع العام الصناعي والقطاع الخاص المنتِج، والإجهاز على القطاع الزراعي. وإذا كانت مقولة الأمن الغذائي قد اقتربت من أن تتحقق في ثمانينات القرن الماضي من خلال الإنتاج المتميز للحبوب والأقطان، فإن هذا الإنتاج قد تراجع إلى أقل من النصف، وكان من نتائج حزمة القرارات الحكومية نزوح مئات الآلاف من الفلاحين إلى المدن بعد أن تركوا الأرض بوراً. وإذا كانت حجة الحكومة هي الجفاف، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان فوراً: ماذا عملت الحكومة مع موسم القمح في العام الماضي؟ وكيف خلقت فئات جديدة من السماسرة واللصوص الذين استولوا على عرق وتعب الفلاحين، وفئات متنفذة أكبر استوردت حاجة سورية من كافة المواد الغذائية؟ فالمشكلة ليست فقط في المنطقة الشرقية، بل أيضاً في دمشق وريفها، وحلب وريفها، وفي المنطقة الوسطى بشكل عام.
وإذا كان الحديث الأبرز سابقاً يتركز على ضرب القطاع الزراعي، فإن القضية الأبرز الآن هي مياه الشرب التي أصبحت مشكلة المشكلات.
قرى السلمية البائسة
ضربت الزراعة في حمص وحماة، وهجر الفلاحون الأرض واقتحموا المدن، وهناك 200 قرية اليوم تعشش الغربان في حقولها، وبالمقابل هناك لجانٌ تشكل ودراساتٌ تقدم واقتراحاتٌ تطرح، وجميعها (قبض ريح).
كمية المياه المتاحة في نهر العاصي والسدود التخزينية لا تسمح بأخذ أية كمية منها، بل هي في حال عجز متزايد، لذلك تمت المطالبة بجر المياه من نهر الفرات ليكون بمثابة شريان لمنطقة السلمية وقراها.
1- تم تشكيل لجنة فنية من مجموعة خبراء في الزراعة والري والهندسة بقرار من رئيس مجلس الوزراء رقم /156/ لعام 1979 وأوصت الدراسة بالموافقة على جر كمية /300 مليون م3/ من الفرات إلى سهول السلمية. لإرواء خمسين ألف هكتار. ولم تتمكن الدولة في حينها من تنفيذ المشروع بسبب خلافات مع الجانب التركي، باعتبار أن المشروع خارج حوض النهر، ولذلك حفظت الدراسة.
2- في عام 1997 تقدم المهندس الزراعي إبراهيم عباس الذي كان يشغل موقع مستشار رئيس مجلس الوزراء للشؤون الزراعية والري، وأمين المجلس الزراعي الأعلى، باقتراح لإحياء هذا المشروع الهام على أن يكون مشروعاً إرشادياً في المنطقة الوسطى من سورية، باستخدام طرق الري الحديث (الري بالتنقيط)، وخَفّضَت الدراسة كمية المياه من 300 مليون م3 إلى 150 مليون م3، أي النصف بكميات المياه والنصف بالتكاليف تقريباً، وتم تشكيل لجنة من هيئة تخطيط الدولة ووزارة الزراعة والري، أعادت اللجنة للمشروع اعتباره وأدرجته ضمن المشاريع الهامة، وأخذ رقم /11/ من حيث أهمية المشاريع.
3- قامت وزارة الزراعة بإعداد دراسة لجر مياه نهر الفرات لمنطقة حمص وحماة والسلمية عام 2002، ولم تلق قبولاً بسبب كبر المساحة وعدم توفر المياه الكافية لريها.
4- تابع المهندس إبراهيم عباس بعد ذلك من خلال عضويته في مجلس الشعب تبني هذا الموضوع وإرسال كتاب من رئيس مجلس الشعب إلى رئيس مجلس الوزراء يتضمن ضرورة العمل على جر المياه من نهر الفرات لإرواء أراضي منطقة السلمية الخصبة التي تعاني من الجفاف. وبناء عليه تم تشكيل لجنة بالقرار رقم /880/ تاريخ 19/5/2004، التي تضمنت ممثلين عن وزارة الزراعة وإدارة الري ومؤسسة الآغا خان، وقد خلصت اللجنة إلى دراسة جديدة معدلة للدراسة القديمة وأوصت بما يلي:
أكدت الدراسة الحالية كما الدراسات السابقة على أهمية المشروع وآثاره الاقتصادية والاجتماعية. وأوصت بأنه يمكن جر 110 مليون م3 من نهر الفرات سنوياً لمسافة 160 كم، وتحقق ري 30 ألف هكتار بالإضافة لمياه الشرب لقرى المنطقة.
وذكرت الدراسة أنه من خلال المعايير الاقتصادية التي تم حسابها عن طريق التحليل الاقتصادي للمشروع، تبين أن المشروع مجدٍ اقتصادياً، وذو ربحية اقتصادية عالية على مستوى البلاد، علاوة على الفوائد الاجتماعية والبيئية الكبيرة التي يمكن جمال أهمها ما يلي:
1- تحسين مستوى المعيشة لسكان المنطقة من خلال وزيادة الإنتاج الزراعي عن طريق تحويل /30 ألف هكتار/ من أراضي بعلية إلى أراضي مروية.
2- زيادة الإنتاج النباتي والحيواني في المنطقة وبالتالي المساهمة في توفير السلع الغذائية والمساهمة في دعم الأمن الغذائي للقطر.
3- تأمين مياه الشرب النظيفة للسكان ورفع المستوى الصحي لهم.
4- الحد من هجرة السكان الريفيين خارج المنطقة بسبب توفير فرص العمل في المجال الزراعي.
5- الحد من استنزاف المياه الجوفية في المنطقة وضمان استدامة الموارد الطبيعية في المنطقة.
6- المساهمة في رفع الناتج القومي.
رأي فني
المهندس همام الدبيات يتحدث حول الخلل في هذا الموضوع فيقول:
بدأت الشركة العامة للدراسات المائية في حمص بدراسة مشروع نقل المياه من دير الزور إلى تدمر لأغراض الشرب وسقاية المواشي وغسيل الفوسفات منذ أكثر من أربع سنوات، وفي العام الماضي تم الإعلان عن مناقصة داخلية وخارجية لتنفيذ المشروع حيث بدأت وزارة الري في تشرين الأول 2008 بدراسة العروض المقدمة من 12 شركة وطنية ومشتركة وخارجية (تركيا ـ إيران ـ إيطاليا ـ أوكرانيا..) استبعد منها عرضان واستمر العمل على دراسة العروض العشرة المتبقية، وبالتوازي يتم السعي مع مصادر التمويل لتأمين الكلفة التقديرية البالغة حوالي 400 مليون دولار من جهات مانحة أو من خلال قروض ميسرة.
يهدف المشروع لضخ حوالي 3.2 م3/ثا لمسافة 256كم وذلك من نهر الفرات قرب دير الزور (من المنسوب 200م عن سطح البحر) إلى المنسوب 468م في تدمر، ثم إلى المنسوب 600م في مناجم الفوسفات من خلال أنابيب ضخ فولاذية وأنابيب إسالة من GRP، وتشمل عدة منشآت هندسية ـ المأخذ المائي ـ محطة التصفية ـ خمس محطات ضخ ـ أربعة خزانات ـ .... مدة تنفيذ المشروع أربع سنوات.
قبل أكثر من عام تم طرح فكرة طارئة وهي إيصال جزء من هذه المياه المنقولة إلى شرق وجنوب حمص، وذلك بتمديد خط جر يتفرع عن الأنبوب الأول في تدمر بتصريف 1.2م3/ثا، ويتجه غرباً لمسافة 136كم وينقل المياه إلى المنسوب 700م في الفرقلس و800م في حسياء، وذلك نظراً لتوفر فائض مياه في الأنبوب الأول، وكحل مستعجل لتأمين المياه لمصفاة النفط المزمع تنفيذها في الفرقلس وإسعافي للمنطقة الصناعية في حسياء، على أن تكون مدة الدراسة سنة واحدة ـ مدة التنفيذ ثلاث سنوات وبالتالي تنفيذ الأنبوبين معاً.
في الأسبوع الثاني من شباط 2009 زار سورية مدير الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والتقى مع السيد الرئيس ورئيس الوزراء والنائب الاقتصادي والفنيين من وزارتي الري والمالية للمساهمة في تمويل المشروع، وقد اعترض على أسلوب المناقصة التي تمت، وعلى طريقة الإعلان وفض العروض وحتى على الدراسة الفنية للمشروع، لذلك طلب إجراء تعديلات على الدراسة وإعادة الإعلان وإعداد تصميم دليلي لإتاحة الفرصة لأكثر الشركات بعد تأهيلها بناءً على اختصاصها وخبرتها في تنفيذ مشاريع مشابهة...
في 16/3/2009 وقع وزير المالية مذكرة تفاهم مع الصندوق الذي يقدم بموجبها معونة مالية بقيمة 86.13 مليون ليرة سورية لتمويل تحديث دراسة مشروع جر مياه الفرات من دير الزور إلى تدمر إضافة لإعداد وثائق المناقصات الخاصة بالمشروع وسيتم إنجاز الخدمات الاستشارية الممولة بالمعونة بواسطة بين خبرة استشاري متخصص وفقاً لما يتم الاتفاق عليه مع الصندوق وخلال شهر من تاريخه علماً بأن مساهمة الصندوق العربي في تمويل مشاريع التنمية في سورية أكثر من 2.4 مليار دولار.
أين أذنك؟!
إن جر المياه من نهر الفرات (دير الزور) لتأمين مياه الشرب لسكان البادية وتدمر وحتى غسيل الفوسفات هو أمر جيد، أما أن تأخذ المياه من هذا الخط إلى الفرقلس وحسياء فهو كمن يمسك أذنه اليمنى بيده اليسرى!! والأجدى من الناحية الفنية والاقتصادية أن نجر المياه لهذه المناطق من خلال إنجاز مشروع جر المياه إلى سلمية المقرر منذ ثلاثين عاماً حيث المأخذ المائي هو بحيرة الأسد (منسوب 300م عن سطح البحر)، وفي هذا توفير بالرفع المطلوب 100م وما يتبعه من تكاليف ضخ إضافة لتقليص المسافة لحوالي 100كم وبالتالي خفض في الكلفة التأسيسية والاستثمارية للمشروع بنسبة /25 إلى 35%/ لذلك أرى إن أمكن العمل بشكل سريع على تدقيق الدراسة وتعديلها بحيث يكون تأمين مياه الشرب للبادية وتدمر من دير الزور بتصريف 1م3/ثا وخط أخر بتصريف 5.2م3/ثا من بحيرة الأسد منها 4م3/ثا إلى سلمية للري والشرب ثم إلى الفرقلس وحسياء بتصريف 1.2 م3/ثا.
مشكلة مياه الشرب، مشكلة حياة بشر مشكلة استقرار، ولكن المشكلة الأكبر هي في هدر المال العام، لقد تم حفر أكثر من 20 بئراً في السلمية مع الشبكة تجهيزاتها ولم يحقق أية غاية أو هدف.
وتم حفر خمس آبار في حمص «الشومرية» مع شبكة وخط جر إلى السلمية وإلى القرى ولم يتحقق الهدف. والأخطر كما ورد في حديث الدبيات جر المياه من نهر الفرات لسكان البادية وتدمر وهو أمر جيد ومشروع هام، ولكن تحويل الخط إلى الفرقلس وحسياء يعني هدراً في المال العام وحرمان 200 قرية من مياه الشرب وضرب الزراعة في هذه القرى وتهجير سكانها، وهذا ما جرى ولكن لأصحاب النفوذ الكلمة الأولى في هذا المشروع ودافعنا لقول ذلك أن الاعتداءات على مياه الشرب الشحيحة التي تصل إلى السلمية تُنهب، وتسقى منها أراض للإقطاع الجديد.
والأخطر أن هناك من يقترح إقامة محطات تحلية رغم أن كلفة هذه المحطات أكبر من كلفة مد المياه من الفرات إلى السلمية، وقد جربت هذه المحطات وفشلت لأن المياه كبريتية. ولكنه الفساد والارتزاق على حساب الشعب والوطن!!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 415