سمير إسحق سمير إسحق

صافيتا تغرق في ركام من الحجارة والإهمال

تعد مدينة صافيتا واحدة من أجمل المدن الجبلية في المنطقة الساحلية، وهي تشكل معلماً سياحياً هاماً لغناها بالمواقع الأثرية والدينية، عدا عن كونها مركزاً تجارياً مهماً، يقصده أبناء الريف والمدينة في محافظة طرطوس.
 

 

لكن أين هي صافيتا التي نتحدث عنها؟ لقد غرقت تحت أكوام من الحجارة خبأت معالمها، وأخفت ملامحها، حتى أنه لا يدل على وجودها إلا تلال الحجارة القابعة فيها. لقد مضت شهور عديدة وعملية الترصيف لا تزال مستمرة، وأكوام الحجارة تجتاح المدينة حتى تخال أن صافيتا هي (كوم الحجر)!، فأي زائر لهذه المدينة المنكوبة سيلتقي بأكوام من الأحجار تتربع أمام صالة بيع صافيتا، وأمام الأكشاك التجارية.. وحتى دور العبادة كدير راهبات القلبين الأقدسين، وكنيستي قزما ودميان لم تسلم من ذلك.
أما بالنسبة للسوق فالوضع أسوأ، حيث تتعانق هذه الأكوام مع الحفريات التي تغازلها عن قرب أكوام البلوك لتجعل عرض الطريق لا يكاد يسمح بمرور سيارة واحدة!. وقد شاهدت قاسيون إحدى الحوادث اليومية التي تحدث بسبب الأكوام المنسية التي تزركشت بأعمال البناء والإصلاح المتنوعة التي استبدّت بالشوارع. ولم يكن مركز البريد والهاتف أوفر حظاً، فالحفريات وأكوام البحص والرمال تسدّ الطريق أمامه، دون أن ننسى أنه مع دخول موسم الشتاء والأمطار الغزيرة راحت تتحول صافيتا إلى مستنقع أوحال، بعد أن كان قد عمل على طمس معالمها الإهمال..

الازدحام من سمات المدينة ومن نتائج إهمالها

لما كانت هذه المدينة العريقة مركزاً هاماً من مراكز المنطقة، فمن الطبيعي اجتياز عدد كبير من السيارات لشوارعها، ولكن غياب التنظيم وإهمال الطرقات أدى إلى تحويل مدخل صافيتا إلى بؤرة ازدحام مروري خانق، يمتد يومياً ولساعات عدة من مدخلها إلى ساحة الدريكيش، ومن ثم إلى السوق المزدحم أصلاً بالحجارة، مما يجعل الوضع مزرياً طوال الوقت، هذا عدا عن بعض ضعاف النفوس الذين حجزوا أماكن لسياراتهم عبر وضع كراسي في منتصف الطريق الضيق بالأساس، فضلاً عن السيارات الكبيرة التي تصطف بشكل عرضاني في طريق السوق لأسباب مجهولة حتى الساعة، أو تصطف سيارتان على يمين الشارع بجانب بعضهما، مما يوحي بغياب أخلاقيات وأصول القيادة وارتياد الشوارع.
بالإضافة لذلك، هناك الكثيرون ممن ضاقت بهم الأحوال قد قاموا بمد بسطات الخضار والفواكه على الأرصفة والشوارع أيضاً، يشاركهم في ذلك بعض أصحاب المحال التجارية المتطاولين ببضائعهم خارج حدودها.. كل ذلك تحت أعين الجهات المختصة.

برج صافيتا وحيداً بين الأطلال..
البرج هو رمز مدينة صافيتا، وأول مقصد للسياح، ويشكل مركزاً دينياً عند قسم من أبناء المنطقة وزوارها. ومع ذلك، حافظت الورشات المختلفة على الهجمات المتتالية والطويلة الأمد على طول الشوارع المؤدية للبرج، الذي مازال مغلقاً بوجه السياح والزوار على مدار الأسبوع لأسباب يجهلها الجميع، ولم يتجرأ أحد بالسؤال عن الأسباب وذلك لحسن الاستقبال وكرم الضيافة التي يمنى بها الزوار!! حيث حالفنا الحظ بأن نكون منهم.!!
إن صافيتا رازحة تحت نير الإهمال، ولا ندري كيف توقعنا أن يكون برجها بأحسن حال منها!، فقد زيّنت الكتابات المنافية للآداب العامة سياج جداره الخارجي، ولوّنته ذكريات لمواطنين حالهم أسوأ من حال البرج، يبحثون عن شهرة ساذجة، لم يردعهم عنها كثافة العناية الفائقة والمركزة لأهم معلم أثري في المدينة.

الانهدام.. مناظر مروّعة وفساد معلن
مع اقترابنا من الكورنيش الجنوبي في المدينة، صدمتنا المشاهد الموحية للناظر بأنه في لبنان الحرب الأهلية، لما في الطريق من حواجز ترابية، وأبنية متصدّعة ومنازل آيلة للسقوط، ولم تخل هذه اللوحة الهوليودية من انهدام ضخم وخيمة لا ندري إن كانت للاجئين أم لعمال، تجثم على جسد الطريق وتسده بالكامل، عدا عن قضبان حديد التسليح المنتشرة، إضافة إلى مجرور مفتوح من جراء الانهدام المأساوي. ولم يكن هذا ناتجاً عن زلزال أو قدرات غيبية، بل هي مجرد حفريات بقصد البناء طالت أسفل الطريق متجاوزة حدودها المسموحة، ليذهب ضحية هذا العمل اللا مسؤول عشرات العائلات بين تشريد وتخريب لمنازلهم، بالإضافة إلى قطع الطريق الرئيسي في المدينة، ولم تكن البلدية مغيّبة عن خضم هذه الأحداث، ولكن بقي دورها مجهولاً حتى تاريخه.

مازال المصرف العقاري جاراً لكافيتيريا (شاباش)..
نشرت قاسيون في أعداد سابقة الإشكاليات المحيطة بوضع كافتيريا (شاباش) قرب المصرف، وقد ردّ المصرف بهذا الخصوص مؤكداً بأنه سيتابع الإجراءات مع الجهات المختصة..
إننا، والأمر باق كما كان، نورد (الاقتراح الذكي) التالي: إغلاق المصرف ونقله إلى مكان آخر بحيث لا يعيق نمو القطاع السياحي الذي أصبحت خططنا الاقتصادية تعتمد عليه بشكل كبير!!.

مظاهر سياحية
عدا كل ما ذكر أعلاه، هناك ظواهر تكمل الوجه السياحي الحالي لصافيتا، وأبرزها: القمامة المكدّسة في الحاويات وما حولها، والتي لا تجد من يبالي بإزالتها بشكل مناسب لتحسين المشهد العام للمدينة.
أما الظاهرة الثانية فبشرية للأسف، وتتكرر في الأسبوع الأول من كل شهر، وهي منظر الصف المرصوص أما مصرف التسليف الشعبي، والمؤلف من أكثر من مئة متقاعد يتجدّدون على الدوام، كل منهم يمشي متثاقلاً من تعب ألمّ به بعد أن أمضى ربيع العمر في خدمة وطنه ومؤسساته، جاؤوا ليتسلّموا شحيح أجر لا يكاد يسد رمق الشيخوخة.. وما يزيد من لا إنسانية الموقف هو تعامل الموظفين الجاف وغير اللائق معهم، متناسين أنهم أناس يتقاضون حقّهم الطبيعي في خريف العمر..

أسئلة
كل ما سبق يطرح العديد من الأسئلة: لماذا التأخير في إنجاز مشروع ترصيف صافيتا؟ لماذا الإهمال في تنظيم السير والاصطفاف على جوانب الطرقات؟؟ لماذا يبقى أهم معلم أثري في صافيتا مغلقاً وغارقاً بين حنايا النسيان، تطاله الأيدي العابثة بلا رقيب؟  لماذا يبقى المواطنون مهدّدين بسقوط منازلهم فوق رؤوسهم في أية لحظة بسبب تصرّف لا مسؤول تقف وراءه جهات (مجهولة)؟..  لماذا فقدت صافيتا صفاءها المعهود؟ ولمصلحة من هذا الوضع القائم؟.. وثمة أسئلة أخرى كثيرة وكبيرة تحتاج لأجوبة..
والخلاصة أنه يجب على مجلس مدينة صافيتا والجهات المختصة الأخرى العمل على معالجة هذا الواقع بالأفعال وليس بمجرد الأقوال، ليكون الحل شاملاً وشافياً لداء استفحل واستعصى على البرء..

معلومات إضافية

العدد رقم:
430