«قاسيون» في لقاء مع فلاحي سهل الغاب: «أنقذوا زراعة القطن.. وانصفوا الفلاحين»

 عندما يتكلم أحدنا عن همٍّ مرتبط بفلاحي سورية، فإنه يتكلم عن همٍّ وطني بكل معنى الكلمة، إذ أن 43% من سكان هذا البلد يعيشون من الزراعة مما يجعل الخطأ في اتخاذ القرارات أو التقصير في تسهيل أمور الفلاحين وأعطائهم حقوقهم، وسلبهم مكتسباتهم، قضية لا مجال للمساومة عليها أو التغاضي عنها أو ضمها إلى ما درجت وسائل الاعلام على تسميته بالفساد، دون معالجة الفساد من جذوره، والجذور غالباً ما تكون حفنة من التجار يتلاعبون بآلاف الفلاحين.

العصي في العجلات!!

وفدٌ من فلاحي منطقة سهل الغاب التابع لمحافظة حماة، زار مكتب «قاسيون»، ممثلاً فلاحي المنطقة، وحاملاً معه همومها ومشاكلها المتعلقة بالقضايا الزراعية، ففلاحو المنطقة كغيرهم من فلاحي بلدنا، لم يسلموا من العصي التي توضع في عجلات القطاع الزراعي السوري، وقد توقف الوفد ملياً عند مشاكل الفلاح وارتفاع تكاليف الإنتاج ومستلزمات المعيشة، ومن ثم نقلوا إلينا قلقهم على مستقبل زراعة محصول القطن في منطقة سهل الغاب التي تعتمد زراعة هذا المحصول بشكل رئيسي ولا سيما أن المحصول يعد من أهم المحاصيل التي تدر القطع الأجنبي على سورية من بعد البترول.

تسعير جائر!!

كثير من القضايا الشائكة التي تكلم وفد الغاب عنها فتعليمات التسويق الصادرة عن المجلس الزراعي الأعلى، حددت سعرين لتسويق القطن، أولهما رسمي للمساحة المرخصة، والثاني سعر عالمي للمساحة المخالفة، وقد تم رفع جداول اسميه على مستوى الأفراد الذين خالفوا إلى الجهات المعنية فإذا حُددّ للفلاح مثلاً زراعة /6/ دونمات وزع /10/ دونمات فيكون قد خالف بـ /4/ دونمات وسيتم حساب 40% من إنتاجه بالسعر العالمي أي سعر /14 ل.س/ للكيلو غرام الواحد، و60% من انتاجه بالسعر الرسمي.

وقد أكد جميع المسؤولين، من رئيس مكتب الفلاحين الفرعي ورئيس اتحاد الفلاحين إلى المدراء على ضرورة إلزام الفلاحين بالتسويق بهذه الطريقة أي التسويق بسعرين وقد أوضحوا أن الموضوع محسوم بالنسبة لهم وغير مستعدين للنقاش فيه، مما أثار سخط فلاحي المنطقة نتيجة للظلم الذي تعرضوا له والذي سنأتي عليه.

تجار الزراعة

أحد الفلاحين قال: «عندما اجتمعوا معنا في المركز الثقافي  بالسقيلبية وقالوا لنا أن الموضوع غير قابل للنقاش استغربنا! لماذا جمعونا؟ وانسحب كثير من الفلاحين من الاجتماع الذي كان محوره الرئيسي تسويق القطن، وبالتالي رفضوا الحديث في هذه النقطة».

ومما أثار استغراب الفلاحين أن المخالفة ستكون على أساس السعرين بغض النظر عن معدل انتاج الدونم الواحد زيادة أو نقصاناً أي أن الفلاح الملتزم بالخطة، والذي أنتج الدونم لديه أكثر من /475كغ/ نتيجة ظروف موضوعية خارجة عن إرادته، سيتعرض للمخالفة نفسها التي سيتعرض لها من قل منتوجه عن الرقم المذكور.

وتساءل أحد الفلاحين : «هل يعقل أن يعاقب المرء على زيادة انتاجه، علماً أن زيادة الانتاج يفترض بها أن تدعم الاقتصاد الوطني؟!»

وقال فلاح آخر: «يريدون تسويق القطن كمادة خام، لذلك يتذرعون بالكساد الذي سببه زيادة الإنتاج، المفترض أن يتم تصنيعه لتشغيل اليد العاملة، وهذا ما يتعارض مع مصالح التجار».

وتحدث أحد الفلاحين عن تراخيص وهمية لزراعة القطن، كما حدث الأمر نفسه مع زارعي الشوندر السكري، وهذه التراخيص تترك فرصة كبيرة للتجار كي ينهبوا الفلاح الصغير إذ يسوق التجار أقطانهم التي يشترونها من الفلاحين على حساب التراخيص الوهمية.

تكلفة تفوق المردود

 حُدّد سعر القطن المخالف في قرار المجلس الزراعي الأعلى بالسعر العالمي بـ/14/ ل.س للكيلو غرام الواحد كما أوردته جريدة «نضال الفلاحين» بعددها الصادر في 18/9/2002 علماً أن كلفة الكيلو غرام الواحد هي ضعف هذا الرقم، وقد تساءل الفلاحون عن كيفية تحديد هذا السعر الاعتباطي الذي لا يراعي تكاليف الانتاج، ولا نوعية البذور السيئة التي تعطى للفلاحين، ولا الظروف الموضوعية التي تؤثر على المساحات المزروعة، وآخرها كان انهيار سد زيزون، الذي طوّف الأراضي المزروعة بالمياه، إذ خرجت عن الخطة الزراعية بعد هذه الكارثة مساحة (29800) دونم إضافة للقضايا الإجرائية الزراعية التي تجبر أصحاب الحيازات الصغيرة على بيعها لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، مما يدعم فرصة القطاع الزراعي ليأخذ دوره من جديد ما عدا المبيدات التي رشتها الدولة في أراضي الغاب الزراعية والتي أثرت سلباً على المحاصيل البعلية.

مخالفات إفرادية.. ومصيبة جماعية!!

نقطة أخرى تحدث فيها أحد الفلاحين: «الجهات الزراعية ستخالف الفلاح إفرادياً علماً أن المساحة تعتبر متكاملةً في سورية، ونحن نطالب بالمحاسبة الجماعية على أساس المساحة، وكذلك نتساءل عن طرح موضوع المحاصيل البديلة للقطن كمحصولي عباد الشمس وفول الصويا. فالأول مجهد جداً  للتربة ولا يمكن زراعته، إلا مرة كل خمس سنوات، والثاني يحتاج إلى مياه بقدر ما يستهلكه محصول القطن، وبكل الأحوال فإن السعر الذي سنأخذه ليس مجزياً والدولة لا تحسن تسويق المحصول! لذا نستغرب طرح هذا الموضوع على الفلاحين.

نحن نطالب أيضاً بأن يحدد لمحصول القطن سعر واحد وهو السعر الإفرادي الرسمي، على أن يراعي أثناء السعر، الظروف المعيشية للفلاحين وتكاليف الإنتاج في العملية الزراعية، والظروف الموضوعية التي قد يتعرض لها الفلاح، فنحن في النهاية مواطنون، ومن حقنا أن نعيش حياة كريمة وأن نخاف على اللقمة التي نستحقها بعرق الجبين، وليس من خلال المناقصات والاحتكارات وغيرها من ألعاب الخفة التي يمارسها تجار السوق على اقتصاد هذا البلد كما أن الخطة الزراعية التي يضعها المجلس الزراعي يجب أن تكون خطة ميدانية لا توضع من خلف المكاتب لأن هذه الخطة ستدمر حياة آلاف الفلاحين الذين يتحملون نتيجة أخطاء «مكتبية» فيما لو وقعت هذه الأخطاء.

وقد تطرق الوفد أيضاً إلى كثير من القضايا، التي تلامس معاناة الفلاح السوري في جميع المحافظات السورية، فجميع النقابات المهنية مثلاً قد استفادت من الطبابة عدا الجمعيات الفلاحية مما حرم الفلاحين حق الطبابة، وزيادة الأجور الأخيرة التي رافقتها زيادة بمعدل أكبر في أسعار السوق، كانت زيادة مرتبطة بشريحة محددة من المجتمع السوري، أما الأسعار التي ارتفعت، فقد طالت جميع المواطنين، ولاسيما الفلاحين الذين يمثلون النسبة الأكبر بينهم.

بينما في المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين مثلاً، ينالون حق الطبابة كحق مكتسب يتمتعون به، كما يحصلون على تقاعد «وزير» على حد تعبير أحد الفلاحين في الوقت الذي يحرم الفلاحون فيه من أدنى حقوقهم، وهو حقهم في أن يزيدو انتاجهم دون أن يتعرضوا للإبتزاز والاستغلال، وأن يفاجؤوا بقوانين اجرائية لا مبرر لها إلا إعاقة عملهم كعدم اعتبار الجمعيات الفلاحية شخصية اعتبارية واحدة بينما تعتبر المصارف شخصية اعتبارية واحدة مثلاً:

فلاحو منطقة الغاب يتساءلون وخلف سؤالهم جواب:

«لمصلحة من ُيضطهد الفلاح ويتعرض لكل هذه الضغوط».