«الوش» باب للرزق .. ولكن!

«الوش» باب للرزق .. ولكن!

أفرزت الأزمة المستمرة منذ حوالي 6 سنوات، أنواعاً وظواهر جديدة في المجتمع السوري، حيث قلبت أحوال العائلات وأدت لانتشار مهن جديدة أو تغيير أوضاع مهن قديمة لتبدو بشكل مختلف عما كانت عليه من عدة نواح، فضلاً عن أن ضيق الحال فتح المجال أمام البعض لاستغلال حاجات الآخرين وتسيير أعمالهم بطرق غير إنسانية في بعض المواقف.

 

وفي المقابل، لا يعتبر انتشار «الوشيشة» أو «الشقيعة» «السحيبة» «الشديدة»، في الأسواق العامة بدمشق، بالأمر الجديد، لكنه خلال الحرب، ازدهر أكثر وبات ملحوظاً كثرة عددهم وصغر أعمارهم عما كانوا عليه سابقاً، حيث وجد الشبان الصغار في تلك المهنة عملاً يسيراً ومربحاً في الوقت نفسه، إذ أنه لا يتطلب شهادات أو لغات أو خبرات، فالوقوف في السوق يومياً وحده كفيل بمنح الخبرة لهم.

التجول في السوق يحتاج «جرأة»

لم يعد من السهل على الراغب بالتسوق، وخاصة النساء منهم، التجرؤ والتجول في شوارع السوق، وتحديداً سوقي الحميدية والصالحية على وجه الخصوص، لكثرة انتشار أولئك الشباب، حيث بات شدة إلحاحهم وتعدي تصرفاتهم حدود الأدب واللباقة أحياناً مسبباً للمشاجرات والمشاكل في كثير من الأحيان.

ولم يقتصر الانزعاج من «الشديدة» في الأسواق العامة على النساء، بل اشتكى الشباب والرجال من تواجد أولئك «السحيبة» معتبرين أنهم يشكلون مصدر أرق لهم مما قد يقومون به من تصرفات أو أقوال تجاه عائلاتهم، أو بسبب قلة خبرة بعضهم في التعامل مع الزبون في حال رفضه الاستجابة لهم، فيقومون بشتمه أو غيرها من أمور غير لائقة.

حدث في الصالحية..

روت أم سامح لجريدة (قاسيون) ما جرى معها أثناء تواجدها في سوق الصالحية مع ابنتها، وقالت: «قصدت السوق لشراء بعض الملابس مع ابنتي، وكالعادة رأينا الشبان منتشرين على طرفي السوق وفي منتصفه يحاولون إقناع المارة بالتوجه لمحل او صالة بيع محددة».

وأردفت أم سامح: «اعترضنا أحدهم يقول بكلمات سريعة (شو لازمك شو ناقصك! عنا جينزات عنا سبورات تفضلي شوفي الفرجة ببلاش، بضاعتنا أجنبية ومميزة ووو...)، فقررنا أن نلحق به لنرى عما يتكلم، واقتادنا لمحل يقع في أحد الأقبية وكان معدوم التهوية ورائحته منفرة، كما أن البضاعة فيه لم تكن كما وصفها، بل على العكس تماماً، لذا اعتذرنا وهممنا بالمغادرة، لكن المفاجأة كانت عندما بدأ البائع في المحل والشاب الذي تبعناه بالتهكم علينا وترديد كلمات غير لائقة، لحين خروجنا من البناء!».

محاولات جذب تتخطى حدودها

أما ناديا فتحدثت عما تعرضت له من مضايقة أحد «السحيبة» في سوق الحميدية، وقالت: «كنت في سوق الحميدية مع خطيبي لنختار عدة أمور لزوم جهاز العرس، وكل شيء كان جيداً لحين ظهور ذاك الشاب الذي اقترب منا واقفاً في طريقنا وممسكا بيده مسبحة يلوح بها، ثم قال (بدك جهاز عروس، بدك داخلي عنا بيجامات بتلبقلك، وأمسك حقيبتي محاولاً سحبنا باتجاه محل ما .,) وقبل أن يكمل كلمته التالية كان خطيبي قد ثار غضبه وقام بدفع الشاب للخلف متهيئاً لبدء مشاجرة، حيث اعتبر كلامه وتصرفه وقاحة وقلة أدب، لكن قام بعض الأشخاص بالتدخل محاولين إبعادهم عن بعض والحيلولة دون وقوع الشجار».

وأكدت ناديا أن خطيبها منعها من قصد السوق وحدها ما لم يكن برفقتها أو برفقة أحد أخوتها الشباب، تخوفاً من مواقف أخرى مشابهة، وأشارت إلى أن ذلك الشاب لربما كان تمادى أكثر بالكلام والتصرف، لو كانت وحدها أو مع امرأة دون وجود رجل.

مصطلحات المهنة

ويشتهر «الوشيشة» باستخدام عبارات مثل: «تفضلي يا ست لدينا تنزيلات.. عندنا قطع غير موجودة في السوق.. أسعارنا بالجملة... طلبك موجود لدينا»، في محاولة لجذب الزبائن واقناعهم بالشراء من محل معين، لكن قد يتعدى نطاق الكلام المستخدم مع النساء حدود وصف البضاعة إلى التغزل بالسيدة و«تلطيشها» في حين قد يلجأ البعض لسحب الزبائن من أيديهم أو دفعهم للذهاب إلى المحل.

وفي الجانب المقابل، تعتبر هذه المهنة مصدر دخلٍ لكثير من الشباب، حيث تعتبر مهنة رابحة، خاصة أنها لا تتطلب «عدة» سوى اللسان الطليق والكلام المعسول، وقد يتعدى الأمر ذلك إلى تعلم بعض المفردات من لغات أخرى تسهل اجتذاب الزبائن الأجانب.

«إعلان حي»

ويرى الباعة في الأسواق العامة، أن عمل «السحيبة» هام جداً لهم، فكثير من المحلات تقع في أقبية أو في حارات ضيقة قد لا يراها المار بالسوق الأساسي، أو لا يعلم بما فيها من بضاعة، لذا يقوم أولئك «الشديدة» بالتعريف بالبضاعة وشد الزبائن، وبالتالي يتقاضون نسبة من الأرباح عن كل زبون يجذبونه ويشتري من المحل.

كما أن «الشديد» أو «السحيب» ليس حكراً على محل بعينه في أغلب الأحيان، بل يضع في عهدته عدة محال يعمل على اجتذاب الزبائن لها، ليزيد من دخله اليومي، ويفيد أكثر من بائع في الوقت نفسه.

ومن الأسباب الكامنة وراء اعتماد «الوشيشة» في أسواق مثل الحميدية والصالحية هي المنافسة بين المحال، حيث تتشابه البضائع المعروضة إلى حد ما في عدة محلات تكون ملاصقة لبعضها البعض، ما يولد حاجة للفت نظر الزبون، كعامل إضافي عن وجود لوحة أو واجهة مميزة  للمحل، فكانت الاستعانة بـ «الـشديدة» نوعاً من الحل.

وينشط عمل «السحيبة» و«الشديدة» غالباً في مواسم معينة مثل الأعياد، أو افتتاح المدارس، ويتقاضون أجرهم بشكل يومي، بالمقابل فهم يتعرضون للشتم من قبل بعض الزبائن الذين يتضايقون منهم ولا يتقبلون تصرفاتهم، أو يتعرضون للتوقيف من قبل دوريات الشرطة.

قانوناً: الوش ممنوع ويستدعي الحبس

وفي تقص لجريدة «قاسيون» عن مدى مشروعية هذه المهنة وموقف القانون منها، تبين أنها ممنوعة ومحظورة من قبل محافظة دمشق، حيث يتم تقديم «الوشيشة» للقضاء، في حين يتم إغلاق المحل المتعامل معهم لمدة أسبوع، وحاولت الشرطة ضبط الظاهرة والحد من تواجدها في فترات سابقة، لكن أياً من الحلول لم تكن مجدية!.

ومن الجدير ذكره أن ظاهرة «الوشيشة» أو «السحيبة» لا تقتصر على الأسواق، بل تنتشر في الكراجات كذلك، ومراكز الانطلاق، حيث يعملون على اجتذاب الزبائن المسافرين للتعامل مع مكتب شركة معينة، أو يقومون بالتطفل على المسافرين ومحاولة سحب حقائبهم لحملها ومساعدتهم فيها، الأمر الذي لا يتقبله البعض.

وحاولت محافظة دمشق كذلك معالجة هذه الظاهرة، عبر وضع آلية لعمل هؤلاء الأشخاص بمراكز انطلاق البولمانات، إذ تقرر منع «الوش» بشكل تام، وتقرر توقيف كل شخص يضبط يمارس فعل «الوش» في أول مرة، بينما يتم منعه في المرة الثانية من دخول مركز الانطلاق أو الكراج بشكل نهائي من قبل قسم الشرطة المتواجد في المكان.‏

المشكلة بالبطالة أولاً

بالمحصلة ليست المشكلة بالمهنة بحد ذاتها من حيث أنها مصدر للرزق، ولا على مستوى أخلاقيات المهنة نفسها أو العاملين فيها، على الرغم من أهمية هذا الجانب، ولكن على ما يتم فرضه من أخلاقيات على هذه المهنة أو سواها بفعل تبدل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والقائمين عليها، فسوق «تفضلي ياست» في سوق الحميدية على سبيل المثال ما زال يتعامل بأسلوب جذب زبائنه من النساء نفسه، عبر الكلمة اللطيفة والمشجعة، دون تجاوز حدود اللباقة والأدب والحياء، وعلى هذا الجانب قد يبدو هاماً دور أصحاب المحلات التي تتعامل مع هؤلاء الشباب على مستوى تكريس أخلاقيات إيجابية للمهنة، والأهم هو: أين دور الدولة نفسه على مستوى تأمين فرص عمل حقيقية لهؤلاء الشباب، فهذه الأعمال، مهما بالغنا بأهميتها تبقى هامشية، وهي لا تعدو كونها غلافاً عن بطالة حقيقية يعاني منها هؤلاء الشباب، الذين فرض عليهم التهميش على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.