حلول وتحليلات حكومية إبداعية: «ارفع أسعار الأعلاف.. تنزل أسعار اللحوم»!!
عزا معاون وزير الاقتصاد والتجارة خالد سلوطة في تصريح لصحيفة الوطن السورية ارتفاع أسعار اللحوم في الأسواق إلى توافر الأعلاف لمربي المواشي بأسعار رخيصة، وقال إن الوزارة ليست مع إيقاف تصدير الأغنام، نافياً أن يكون التصدير سبباً في ارتفاع أسعار اللحوم في تلك الأسواق، مؤكداً أن توافر الأعلاف الرخيصة حدا بمربي الماشية إلى الإحجام عن طرح إنتاجهم، واتجهوا إلى التسمين..
فإذا كان التصدير ليس سبباً في ارتفاع أسعار اللحوم كما يرى معاون الوزير، فهل يمكننا التخمين أن سيادته يعتقد أن السبب يعود إلى الإعانات التي تقدمها الحكومة للمواطنين السوريين عموماً مما أدى إلى ارتفاع المستوى المعيشي لهم، ومن بينهم مربو الثروة الحيوانية المتركزة بشكل خاص في المناطق الشرقية، لذلك راحوا يعيشون في بحبوحة بفعل اقتصاد الوفرة ورغد العيش ورفاه الحياة، فأحجموا عن بيع خرافهم، وبالغوا بتسمينها لتسجيل أسمائهم في كتاب غينيس للأرقام القياسية عن أفضل مربٍ لأسمن خروف تدعمه الحكومة!؟.
وبعيداً عن السخرية رغم أهميتها، نعاود طرح السؤال بصيغة أخرى: إلى أي مدى يستطيع مربي الخراف الاحتفاظ بخرافه؟
من المعلوم جيداً لكل مهتم أن فترة تسمين الخراف مدتها تسعون يوماً، وبعد ذلك يكون مصيرها السوق إما للذبح أو التصدير، مع التنويه أن الأحجام المرغوبة في الأسواق الخليجية هي الخراف غير المسمنة (السرحية) والتي غالباً ما يكون وزنها دون الأربعين كيلو غرام.. والمواليد من الخراف ليست كالفروج تخضع لأتمتة التفريخ وشروط الفوج والدفعة، وإنما هي تخضع لشروط الولادة الطبيعية.. فإذاً ما هي مصلحة مربي الثروة الحيوانية في الاحتفاظ بهذه الخراف بعد تسمينها؟ بالتأكيد لا يكمن السبب في أن رفاهية مفاجئة حلت بهم، لأنه بالأصل ليس لديهم القدرة على ذلك ولا هم بصدد دخول منافسة وصولاً إلى غينس, بل كل هذا الكلام غير صحيح مطلقاً.. فلو جاء هذا الكلام من جاهل مدلل لما استغربنا طرحه، ولكن أن يأتي من مسؤول اقتصادي في الحكومة، فهذا ما يدعو للأسف والقلق الشديد، وما يجعلنا أكثر امتعاضاً هو دعوة هذا المسؤول الضمنية لرفع أسعار الأعلاف، ورفع ما تبقى من دعم الثروة الحيوانية لتنزل أسعار اللحوم عن عرشها, فيا لهذا التخطيط الاقتصادي لمصير البلاد!!
إن كلمة استغراب قليلة إزاء هذا اللطم واللكم، وما يصح هو(الطق والفقع) كتعبير عن ردة الفعل العصبية تجاه تحليل كهذا..
وبالعودة إلى صلب الموضوع يمكن التأكيد أن التصدير ليس وحده من يتحمل مسؤولية غلاء أسعار اللحوم، بل التهريب أيضاً، وسوء التعامل مع هذه الثروة الوطنية المتجددة من خلال إلحاق الخسائر والأذى بمربي الماشية عبر الإجراءات الحكومية المجحفة بحقهم من عدم تأمين الأعلاف أثناء موجة الجفاف القاتلة، إلى التقاعس والتأخير في مواجهة آثار الجفاف وتقديم الحلول الناجعة عبر استشراف الأزمة، رغم التحذيرات بأن الثروة الحيوانية تسير في طريق الانقراض..
فقد نبه المختصون الوطنيون وأقلام من عالجوا هذه المشكلة على صفحات الصحف الوطنية، فاستشعروا ونبهوا إلى الكارثة المحدقة بالثروة الحيوانية، ولكن لم يستجب أحد لنداءات الاستغاثة، وكأن بعض المسؤولين جبلوا على التجريب أو التخريب. وهنا لا بد من التأكيد أن لا أحد ضد التصدير الواعي والمدروس، لأن نسبة العاملين في قطاع الإنتاج الحيواني تصل إلى نحو 20% من إجمالي اليد العاملة السورية، ويشكل الإنتاج الحيواني نحو 34 % من إجمالي الإنتاج الزراعي، و17% من قيمة الصادرات الزراعية. وإذا ما علمنا أن نحو 72% من التكلفة الرئيسية لمشاريع تسمين الخراف يعود إلى سعر شراء المواليد المراد تسمينها، و24% من التكلفة الكلية ثمناً للأعلاف ونفقات أخرى، يكون هذا مؤشراً على قلة العرض بسبب قلة أعداد الأمهات من النعاج، وذلك يعود لأسباب عدة، منها غلاء أسعار المواد العلفية، إذ وصل سعر الكيلو غرام الواحد منها في عام 2008 إلى 22 ل.س، وترافقت مع موجة الجفاف التي حلت في سورية وما قابلها من إجراءات حكومية غير مسؤولة تجاه مربي الثروة الحيوانية، فالحكومة تقدم لرأس البقر كيلو غرام واحد من غذائها اليومي بسعر مدعوم، في حين أن استهلاك الرأس الواحد يتجاوز عشرين ضعفاً يومياً، وقس على ذلك ما يقدم للأغنام.. يضاف إلى ما تقدم سوء الخلطة العلفية مع الارتفاع الجنوني لسعر العلف في حينه، وهو ما تسبب بنفوق أعداد كبيرة من الماشية بسبب الهزال والضعف الذي ألم بها نتيجة قلة استهلاك المواد المغذية لعدم قدرة مربي الماشية على مجاراة غلاء أسعار الأعلاف, هذا مع سوء إدارة السياسة التسويقية التي جعلت من بلد واحد هو المملكة العربية السعودية منفذاً وحيداً لاستهلاك رؤوس الأغنام المصدرة من سورية, بالإضافة إلى ذلك ربط الإحصاء والتعداد بتوزيع المقنن العلفي، فمن كان لديه 100 رأس تصبح على دفاتر الإحصاء 1000 رأس!! هذا ما ساهم بتضليل الجهات القائمة على عمليات التصدير حينما فتحت الدول الخليجية أبوابها أمام مصدري الأغنام في سورية شركاء أصحاب القرار ومدلليهم, وإن تضارب التصريحات حول عدد رؤوس الماشية في سورية له ما يبرره (لأن حساب السرايا لا ينطبق على حساب القرايا ).. إذ ذكرت بعض الجهات أن عدد رؤوس الماشية في سورية بحدود الـ25 مليون رأس، في حين ذكرت مصادر أخرى أن العدد هو 5 ملايين فقط!! فأي الرقمين نعتمد؟ وما مصير الثروة الحيوانية مع تصدير 1,5 مليون رأس من الأغنام سنوياً؟
وما يؤكد أن الأرقام الكبيرة ليست صحيحة هو تجاوز سعر رأس النعجة في الأشهر القليلة الماضية 15 ألف ليرة سورية، وخاصة عندما كانت الحدود العراقية السورية مفتوحة على مصراعيها, في حين تجاوز سعر رأس البقر الحلوب 150 ألف ليرة سورية، وسعر 1 كيلو غرام عجل قائم من 160 -200 ل.س... فهل هناك ما يدل على صحة تعداد الثروة الحيوانية التي تعتمدها الحكومة؟
فلو كانت تلك الأرقام صحيحة لما وصلت أسعار الماشية واللحوم في الأسواق المحلية إلى ما وصلت إليه, ولعل الحقيقة التي يجب عدم التغاضي عنها أن الثروة الحيوانية قد أوشكت أن تدخل في طور الانقراض، وهذا ما يستدعي إجراءات طارئة وعاجلة كمنع تصدير الأغنام للحفاظ على إناث الغنم من فطام ونعاج، والحؤول دون ذبحها كتعويض عن لحم خراف العواس المحلية، مع زيادة دعم الثروة الحيوانية بزيادة المخصص العلفي المدعوم، والعمل على استيراد الأبقار الحلوب حيث أن السلالة الرئيسية الموجودة حالياً، والتي يقتنيها مربو الأبقار، كانت نتاج عمليات استيراد لمصلحة وزارة الزراعة من دول أوروبا في ثمانينيات القرن الماضي والتي عملت الوزارة على تسليمها للمزارعين بقروض ميسرة وأسعار مدعومة.