قانون العلاقات الزراعية.. أليست الأرض لمن يعمل بها؟
بعد مرور ما يقرب من خمس سنوات على إقرار قانون العلاقات الزراعية الجديد، تعود إلى الذاكرة النقاشات التي رافقت وتلت إقراره، ويعود إلى الذاكرة دفاع الحكومة المستميت عنه، ومحاولتها نفي ما قيل عن مراعاته لمصالح الملاك الكبار على حساب المزارعين وأسرهم الذين عملوا في زراعة الأرض لعقود طويلة. ومع صدور العديد من القرارات القضائية بناء على نصوص هذا القانون، والتي أدت إلى طرد عشرات المزارعين من الأراضي التي عملوا فيها لسنوات وسنوات، ترى ألم يصبح من الواضح مدى خطورة هذا القانون، وخطورة الاتجاه العام الذي يعبر عنه في السياسات الحكومية الحالية؟.
ينص قانون العلاقات الزراعية رقم 56 لعام 2004، في المادة 96 منه، على ضرورة تنظيم المزارعة بعقد خطي محرر على أربع نسخ بين صاحب الأرض والمزارع، ولم يترك للمزارع أية وسيلة أخرى لإثبات مزارعته سوى وجود هذا العقد المكتوب. ولم يلحظ القانون وما تلاه من تعليمات تنفيذية، علاقات المزارعة التي كانت سارية قبل إقرار هذا القانون، والتي مر على بعضها عقود طويلة جداً وانتقلت ضمن العائلة الواحدة من الأب إلى أبنائه، دون وجود أي عقد مكتوب بين صاحب الأرض والمزارع.
وعندما أصبحت قضايا تثبيت المزارعة أمام القضاء، تجاهل القضاء ما كان قد استقر عليه الاجتهاد لعقود طويلة سبقت إقرار القانون الجديد، من إمكانية إثبات المزارعة بكل وسائل الإثبات بما فيها شهادة الشهود. ويبدو أن واضعي هذا القانون أرادوا «إحاطة الأمر بعنايتهم» من كل الجوانب، فقرروا نزع الاختصاص في النظر بالدعاوى المتعلقة بحل الخلافات الزراعية من المجلس التحكيمي الأعلى للعمل الزراعي، ومنحوا الاختصاص لمحاكم الصلح بموجب المادة 145 من القانون الجديد. ولهذا الأمر نتيجتان هامتان، الأولى هي أن إقصاء المجلس التحكيمي الأعلى عن النظر في تثبيت عقود المزارعة، سيعني حرمان المزارعين من التقاضي أمام هيئة قضائية يمكن أن تنصفهم، ذلك أن هذا المجلس كان قد اعتاد على مدى عقود خلت على الدفاع عن مصالح المزارعين، وهو أيضاً صاحب الاجتهاد السابق في جواز إثبات عقود المزارعة بشهادة الشهود. وأما النتيجة الثانية فهي أن أحكام محكمة الصلح خاضعة للطعن بالنقض فقط، دون المرور بمرحلة الاستئناف، مما يعني حرمان المزارعين من درجة من درجات التقاضي كان يمكن أن تساعدهم في الدفاع عن حقوقهم بفاعلية أكبر.
من المعروف أن أغلب المزارعات وخاصة القديمة منها، جرت بغير عقود مكتوبة لاعتبارات عديدة أبرزها الاعتبارات الأدبية السائدة في أغلب الريف السوري، والتي تحول دون تنظيم عقود مكتوبة في هذا النوع من العلاقات. وبالتالي فإن حصر إمكانية إثبات المزارعة بوجود عقد مكتوب، يعني أن هدف واضعي القانون، إعادة الأراضي إلى كبار الملاك، وحرمان الأسر التي أفنت حياتها جيلاً بعد جيل في زراعتها من حقوقها. ترى ألا يحق لنا أن نسأل بعد ذلك، أين اختفى شعار «الأرض لمن يعمل بها»؟.
إن الأحكام القضائية التي صدرت مؤخراً، وفق هذا القانون، والتي حرمت العديد من المزارعين من حقوقهم لأنهم لا يحملون عقداً مكتوباً يثبت مزارعتهم، تحمل في طياتها نذر مشكلة اجتماعية كبيرة، وإذا لم يتم العمل الجدي والفوري على حل هذه المشكلة، فمن غير شك سيكون لها انعكاسات خطيرة لا تحمد عقباها على الاستقرار الاجتماعي في البلاد، فهل هناك من يسمع؟