لننزع أيدي الطفيليين من جيوب الفقراء: المستهلكين والمنتجين
الحقيقة إنه لمن المحزن أن يتحكم الوسطاء الطفيليون اللامنتجون بحصة الفيل من الدخل الاجتماعي دون جهد يذكر، حيث يستغلون المنتج بشراء إنتاجه الزراعي أو الصناعي أو الخدمي بأبخس الأثمان، ومن ثم يبيعونه للمستهلك بأغلى ما يستطيعون، فيذهب كل المنتجين وكل المستهلكين ضحايا جشع هؤلاء الوسطاء الطفيليين اللامنتجين، مستغلين مصطلح «اقتصاد السوق» متناسين كلمة (الاجتماعي)، مثلهم مثل ذلك الذي يقرأ «فويل للمصلين» أو «لاتقربوا الصلاة» فقط، ويتناسى التتمة الضرورية لكلا النصين.
ونتيجة لخبرة هؤلاء الكبيرة في علم الفراسة وفن المماحكة والتسوق بأبخس الأسعار، والتسويق بأعلاها، وأخذ الأمور بالعبطة وبالتخجيل أحيانا..الخ، فإنهم يحققون أعلى المداخيل، وصدق «ابن خلدون» عندما صنّفهم في مقدمته بـ«أسوأ الفئات الاجتماعية». وحتما فإن هؤلاء لا يمكنهم تحقيق ثرواتهم دون دعم مباشر أو غير مباشر من ذوي القرار شاؤوا أم أبوا بقصد أو دون قصد...
وعلى سبيل المثال في عام 1995 كان موسم الزيتون جيدا جدا بعد عدة سنوات من المحل، وسرعان ما اتجه تجار الجملة حاملين معهم قرارا يحمل توقيع وزير اقتصاد، مضمونه منع تصدير الزيت الوطني، والسماح باستيراد الزيت التركي والتونسي، ومع تهويلات تجار الجملة وتخويفهم للفلاحين من تدني الأسعار أكثر في حال تم استيراد الزيت من الخارج، ارتعب الفلاح المسكين الغرقان في ديون السنين الماضية من (حرث ورش وتقليم وجمع وعصر ..الخ) وباع كل محصوله لهم بأبخس الأسعار بـ (60 ل.س للكيلو الواحد)، ولكن ما إن أصبح كل الزيت في أحواض التجار الكبار حتى كان قرار وزاري آخر يقضي بالسماح بتصدير الزيت السوري ومنع استيراد أي زيت آخر منافس له!! وتحت تأثير قانون الاحتكار، والتحكم بالعرض، مع استمرار الطلب، بيع كيلو الزيت حينها بـ(170 ل.س للكغ الواحد)، وهنا ربح التاجر الطفيلي (110 ل.س عن كل كيلو زيت واحد، وهو في مكتبه تحت المروحة) مقتطعة من لقمة عيش كل المنتجين والمستهلكين، في حين (ما وفّت) الـ(60 ل.س المدفوعة للفلاح) جزءا من تكاليفه خلال السنوات الماحلة..
السؤال هنا
كيف صدرت تلك القرارات؟، ولمصلحة من؟ وهل دفع التاجر ضريبة أرباحه الفاحشة المقتطعة من عرق الفلاح والمستهلك معا؟ ولماذا لم تنشر المقالات التي كتبت حول ذلك ووجهت إلى أكثر من جهة مسؤولة ولم يرد عليها أحد حتى الآن..الخ الخ؟؟
وعلى مبدأ «أطعم الفم تستحي العين» فقد يعزم التاجر المشتري الزبون الضحية على فنجان قهوة في محل أو عشاء في مطعم، ومع الكلام المعسول المحشو بالطمع والجشع والخبث والدهاء، تعقد الصفقة بالعبطة وراء الطاولة، وبعد أن تذهب السكرة وتأتي الفكرة يصعب على المغبون التراجع عما وقع عليه أو أعطى فيه (كلام).
الخلاصة
هانحن ذوي الدخل الواحد المحدود والمهدود معا، (ككل الأبرياء البسطاء) نقع ضحايا التاجر الجشع الذي لا يضع تسعيرة سلعته، وذلك السائق الذي لايشغل عداده، وذلك المطعم الذي لا يضع لائحة أسعاره، وذلك المرتشي الذي لايحدد سقف رشوته، وذلك المسؤول الذي ببيروقراطيته اللعينة لايحس بمدى الضرر الذي يسببه للوطن وللمواطنين ..الخ، وكل هذا يضر بالاقتصاد وبالمجتمع وبالتنمية المستدامة، ويزرع الشك بالتآمر، والضغينة عند كل المغبونين تجاه كل من كان السبب في (تشليحهم) راتبهم المحدود أو تقاعدهم التافه في الأسبوع الأول من كل شهر..
والسؤال : إلى متى الصمت والانتظار على إجراء المطلوب؟ في حين تعتبر مثل هذه المتطلبات من بديهيات الحضارة المعاصرة؟؟