صفر بالسلوك أبناء الناس
تنتشر ظاهرة الفساد في دوائر الدولة انتشاراً عجيباً، ولكننا تعودنا عليه وفقدنا الأمل بإصلاح شيء ما، بل إننا لم نتعود فقط على الفساد وإنما بدأنا نشارك به، وخاصة النوع الذي من مستوانا، على قدنا يعني، فنحن ندفع الرشوة دون تردد للموظف والشرطي والآذن والمدير.. إلخ
وهم باتوا يأخذون منا بشكل أوتوماتيكي دون أي شعور بالإحراج وكأن الأمر أصبح قانوناً، وعلى الرغم من أن المبالغ الصغيرة المتداولة بين أوراق المعاملات أصبحت أمراً واقعاً وتسعيرة محدودة فإن بعض التجاوزات تتم أحيانا، فكم من شرطي ظل يتجاوز حاجز الخمسة وعشرين ليرة من السائقين حتى رفع السعر إلى خمسين، وكم من موظف رفع تسعيرة التوقيع الواحد من خمسين إلى مائة، حتى في الفساد يمارسون الفساد!!!!!
لكن يبقى هؤلاء الذين نتحدث عنهم هم من أبناء الناس، ويبقى أننا جميعاً نعرف بأنهم منا نحن الشعب، فمن منا لا يملك شقيقاً موظفاً أو جاراً شرطياً أو والداً مديراً.. إلخ.
ويبقى أننا نعرف أيضاً كيف تم تحويل الموظف من مواطن إلى لص وفاسد عبر صرف راتب لا يكاد يصل إلى ربع الراتب الحقيقي الذي يجب أن يتقاضاه، وبحدس البقاء يصارع الإنسان من أجل البقاء، وساعتها لم تعد تهمه صفته، وأصبح يقبل بأن يكون لصاً وأكثر من أجل البقاء.
فهل تعتقدون أن الموظف سعيد بكونه يرتشي؟! وهل تجدون أن الشرطي راضٍ بأن يدس له السائقون قطعة الخمسين داخل دفتر السيارة؟!!!!!
الموظفون من أبناء الناس، جاؤوا من الناس، ويعودون إلى الناس، مورست عليهم كافة أنواع الضغوط في الحياة حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه من حلول سحرية، فتعلموا فنون الرشوة، فقبضوا كاشاً وغير كاش، وأخذوا «الخوة» فروجاً وخواريف وخضاراً وفواكه وقماشاً وأدوية وأحذية وخبزاً وسمنة وزبدة وزيتاً وقمحاً ورزاً ووووو....
ولكن ما الذي يأخذونه سوى ما يريدون به سد الرمق، لقد أراد اللصوص الكبار أن يحولوا الجميع إلى لصوص مثلهم ولكن اسماً فقط، أي دون أن يسرقوا المبالغ الضخمة، ولكن أبناء الناس من الموظفين استطاعوا أن يحولوا ممارستهم لفسادهم الصغير إلى حالة أوتوماتيكية نفت عن نفسها صفة الفساد بنفسها، وبقي أبناء الناس أبناء ناس، ولم يتحولوا إلى لصوص، على الرغم من ممارستهم لكافة أنواع السرقة، فالموظف يسرق المواطن، والشرطي يسرق السائق، والسائق يسرق الراكب، والراكب يسرق الماشي، والناس تسرق من الدولة، والدولة تسرق من الناس، ويبقى أبناء الناس أبناء ناس.
لماذا حولتم أبناء الناس إلى لصوص وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟!!!!!