كيف أصبحت شيوعياً
ضيفنا اليوم، الرفيق الذي كتبت عنه صحيفة قاسيون في صدر صفحتها الأولى للعدد 140 كانون الأول 1996، وتحت عنوان (سنديانة حمراء)، مايلي:
عندما خرج أبو محيي الدين من منزله وأغلق الباب، داهمته أزمة قلبية حادة مفاجئة طرحته أرضاً، فسارع الأهل والجيران بإسعافه إلى مستشفى ابن النفيس، حيث تبين أنه أصبح غير قادر على الكلام، وشلّ نصفه الأيمن كاملاً، مما جعله عاجزاً تماماً.
وبعد أسبوع من التداوي، نقل إلى بيته لمتابعة العلاج، وكنا نزوره دون أن نثقل عليه. وفي مساء اليوم الأول من الشهر حين زاره مسؤوله الحزبي، سمعه ينطق ببعض الكلمات، وقد فهم منها أن تحت المخدة اشتراكه الشهري، وجاء جواب الرفيق: هون عليك لسنا في عجلة من أمرنا. فنظر أبو محيي الدين بعتاب وتمتم: لم أتأخر يوما عن دفع اشتراكي في أول كل شهر. ومر أسبوعان، وكان رفاقه يعقدون اجتماعهم عندما قرع الباب ودخل الرفيق أبو محيي الدين متثاقلاً، ولكن بعزيمة جعلت الرفاق ينهضون مشدوهين مرحبين، وهم غير مصدقين ما يرون. قال أبو محيي الدين: جئت لأحضر الاجتماع!!
أعزاءنا القراء: هذه ليست حكاية، إنما هو حدث حقيقي. إنه واقع تعجز الكلمات عن وصفه بما يستحق، إنه الروح المناضلة فعلا. إنه الوقود الذي يملأ قلوب الشرفاء وبهذا يستمر الركب منطلقا إلى الهدف. إنه الرفيق محمد بن حسن ميقري .
رفيقنا المحترم الحاج أبو محيي الدين، كيف أصبحت شيوعيا؟.
- أنا من مواليد دمشق عام 1932، من أسرة كادحة يعمل معيلها ببناء البيوت، وبيته بالإيجار، وهذا ما اضطرني لترك المدرسة الابتدائية دون أن أتمّها. ولأعمل مع والدي حتى سن السابعة عشرة، وبعدها عملت بالنول اليدويّ، عند الرفيق الشهيد حسين عاقو لمدة عام، ثم (توظفت) بالبلدية، عامل تنظيفات لشوارع المدينة وحاراتها، وعن طريق صديقي الرفيق مصطفى وانلي، تعرفت على الحزب وانتظمت في صفوفه، وعملت مع الرفاق عبد الجليل رشواني وأحمد آله رشي وسعيد ميرخان وأبو علي حسين ميقري، وشاركت بكل النشاطات العامة للحزب، وفي العديد من المظاهرات الوطنية والمطلبية، وتعرضت كما تعرض الآلاف من الرفاق، للملاحقة والاضطهاد، وقد تعلمت من الحياة ومن الحزب احترام الناس والعمل، والصدق والجرأة، وكره النفاق والكذب والبخل والظلم والكسل، واستطعت أن أعوض عن حرماني من الدراسة، وبالجهد الجهيد، أن أعلم أبنائي السبعة ليصلوا إلى أوضاع شريفة وكريمة. وكثيرة جدا هي الذكريات التي أستعيدها اليوم، وتبعث في قلبي السرور والشعور بالرضا، لأنها جزء عزيز ومهم من حياتي، ومنها على سبيل المثال ذكرى الحشد الجماهيري الذي ضم عشرات الآلاف من المواطنين، الذين جاؤوا من كل حدب وصوب، ليروا نائب دمشق الرفيق خالد بكداش عام 1955، وليسمعوا خطابه الرائع الذي تحدث فيه عن عمله تحت قبة البرلمان، وبعدها بثلاثة أيام وبينما كنت أنظف الشارع قرب جامع (حمو ليلى)، توقفت إلى جانبي سيارة صغيرة ونزل منها الرفيق خالد، وسلم عليّ بحرارة، وسألني عن أحوالي. وكذلك من الأحداث الطريفة التي مررت فيها وذلك في أواسط الثمانينات، قصتي مع أحد المتزمتين الذي (سلقني) بلسانه الحاد، وقد كنت قد حججت ذلك العام، واتهمني بأنني غير مسلم كوني في صفوف الحزب الشيوعي، فجابهته، بوجود مجموعة من أبناء الحي قائلا: ليس من تعارض بين كوني في الحزب وبين مواظبتي على الصيام والصلاة في الجامع، فأنا مسلم وشيوعي في آن واحد، والحديث الشريف يقول: المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، وأنا لساني ويدي وحياتي في سبيل خير الناس، والدفاع عن حقهم في العيش الحر الكريم، بعيدا عن الظلم والقهر والاستغلال. أما أنت فقد استخدمت لسانك ،وأجزم أنك ستستخدم يدك إن استطعت في إيذائي وأنا واحد من الناس، فأينا المسلم يا (فهيم)؟.
- ما زلت ملتزما بالتنظيم الحزبي وأعتز بالرفاق الذين أعمل معهم، كما أعتز وأتشرف بذكرى رفاقي الذين عملت معهم في فرقة واحدة ورحلوا، وهم: أبو داود محمد علي شيخاني، وأبو مصطفى عبد الله أبو ذر الكردي، وأبو عمار عبد الرحمن الأيوبي وأبو محمد سهيل ناجي، وأنظر إلى الشباب بعين المحبة والإعجاب والأمل، وقد شاركتهم في المظاهرات والاعتصامات، التي قاموا بها دعما لانتفاضة الأرض المحتلة وللمقاومة البطلة في العراق ولبنان، وأتمنى أن أرى مثلها على أرض جولاننا الحبيب، وسأواصل العمل المثمر طالما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
- إنني أرى أن من أهم الأمور ضرورة، هو أن يتوحد الرفاق كما نص على ذلك ميثاق الشرف للشيوعيين السوريين، الذي أفخر أنني ساهمت في التوقيع عليه، وأن يعيدوا للحزب سمعته ومكانته التي كونتها جهود ونضالات، وتضحيات الألوف من الرفاق الشجعان على مدى ثمانين عاما وأكثر.