سوريون يتحولون من «مضحين» إلى «منتظرين» لحصصهم
الوضع المعيشي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وبالتالي، أصبح اقتراب الأعياد لا يعني لكثير من المواطنين ماكان يعنيه لهم في سنوات السلم، بل بات يشكل أرقاً وينذر بأزمة مالية بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود جميعاً، ولو تم اختصار أغلب المستلزمات بما فيها الأساسية.
هذا ما حصل فعلاً مع طقس تقديم «الأضاحي» الذي عزفت عنه شريحة «واسعة جداً» بحسب رئيس جمعية حماية المستهلك عدنان دخاخني، وخاصة مع ارتفاع سعر كيلو لحم الخروف الحي الذي وصل إلى 1700 ليرة سورية داخل المدينة، بارتفاع حوالي 500 ليرة عن أسعار بداية العام.
وبحسب دخاخني «فإن الأضحية هذا العام ستكون محصورة بمن يملكون فائضاً من المال فقط، ومع ذلك، هؤلاء لن يقدموا الأوزان أو الكميات المعهودة ذاتها من اللحوم» مشيراً إلى أنه «من الواضح حتى الآن، عزوف شريحة واسعة جداً من المواطنين عن تقديم الأضاحي، ولن تتبين نسبة العازفين عن ذلك حتى أول أيام العيد».
تلاعب بالأسعار
وتابع «يمكن لأي شخص أن يلاحظ انخفاض عدد المضحين عبر محيطه ببساطة»، مضيفاً «هناك بعض الأشخاص قاموا بتقديم مبلغ مالي بسيط لعائلات فقيرة بدلاً من تقديم الأضحية، التي باتت صعبة المنال، حيث وصل سعر الخروف إلى 100 ألف ليرة سورية تقريباً لوزن الـ 60 كيلو».
وأشار دخاخني إلى وجود «تلاعب بأسعار اللحوم وباقي مستلزمات عيد الأضحى»، مؤكداً أن «التلاعب بالأسعار صار سمة من سمات المناسبات والأعياد، ما يجبر أصحاب الدخل المحدود على التقنين حتى بالأساسيات».
أسعار الأضاحي المرتفعة، بالتقاطع مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية بشكل عام، وتزامن العيد مع موسم افتتاح المدارس والمونة، حوّل شريحة واسعة من المواطنين من مقدمين للأضاحي إلى منتظرين للحصول على حصة من إحداها، إضافة إلى أن قلة عدد المقبلين على شراء الأضاحي هذا العام، قد يحول دون حصول الفقراء وشريحة الدخل المحدود على اللحم الذي كان الحصول عليه مرتبطاً لديهم بحلول عيد الأضحى.
وفي جولة لـ «قاسيون» على بعض بائعي خراف الأضاحي في دمشق، فقد تراوح سعر كيلو اللحم الحي بين 1600 و1700 ليرة سورية، ما يعني أن الخروف الأصغر حجماً والذي يبلغ وزنه حوالي 45 كيلو غراماً، يصل سعره إلى حوالي 75 ألف ليرة سورية في أدنى تقدير، بينما يشير اختلاف الأسعار بين بائع وآخر إلى فلتان في الرقابة، وضعف الدور الحكومي بتسعير الأضاحي.
الارتفاع مستمر
يقول أحد اللحامين في منطقة ركن الدين بدمشق، ويدعى أبو علي، لـ «قاسيون» إن أسعار الخراف بدأت في الارتفاع منذ الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، ومن المتوقع أن تستمر ارتفاعات الأسعار حتى اليوم الأول من العيد».
إذاً، وكما كان متوقعاً، ارتفعت أسعار الأضاحي هذا العيد، حيث دار الحديث مسبقاً، عن احتمال وصول سعر كيلو لحم العواس الحي إلى 1900 ليرة سورية، بعد قرار وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بالسماح بتصدير ذكور أغنام العواس والماعز الجبلي.
ورغم ارتفاع الأسعار، إلا أن مصادر في اللجنة المكلفة بدراسة طلبات الراغبين بتصدير ذكور الأغنام وذكور الماعز الجبلي، أكدت بأن اللجنة لم تجتمع للأسبوع الثاني على التوالي منذ تاريخ تشكيلها وتاريخ صدور القرار، أي أن عملية التصدير لم تتم حتى تاريخه.
ما السبب؟
وأشارت المصادر في تصريحات صحفية، إلى أن قرار السماح بالتصدير أعيد من أجل الدراسة مجدداً مع احتمال إلغائه نتيجة «الأصداء السلبية التي واجهها» على حد تعبيرها.
لكن، تصريحات المصادر تشير إلى أن تصدير الأغنام كان سيحلّق بسعر اللحم الحي لأكثر من 2000 ليرة سورية بكثير، وأيضاً، تثير هذه التصريحات العديد من التساؤلات حول سبب ارتفاع أسعار الأضاحي إلى هذا الحد غير المبرر، إن كان قرار التصدير لم ينفذ فعلاً ولم تجتمع لجنة طلبات التصدير، وبالتالي لم تدخل أي من الأغنام والماعز مرحلة الحجر الصحي؟.
بالمقابل فإن عدم دخول الأغنام مرحلة الحجر الصحي؛ لا ينفي حبس بعض التجار لأعداد كبيرة من الأغنام ومنع دخولها إلى سوق الاستهلاك المحلي، بانتظار ما تسفر عنه اللجان والبدء بمرحلة الحجر والتصدير في أقرب وقت.
لحم العواس المحلي حلم
على ذلك وكما جرت العادة، سيبقى لحم العواس، الذي يعتبر ثروة محلية، حلماً للفقراء من للمواطنين على مستوى الاستهلاك، بظل ارتفاع الأسعار وتراجع أعداد الأضاحي وغيرها من الأسباب الأخرى، فيما ينعم به الأغنياء وأصحاب الثروة داخلاً وفي الدول الإقليمية، بحجة الحصول على القطع الأجنبي جراء عمليات التصدير التي أصبحت جائرة، ليس على مستوى الاستهلاك المحلي من قبل فقراء الحال فقط، بل على مستوى استنزاف قطعان هذه الثروة الحيوانية القيمة، ناهيك عن المهرب منها سنوياً، خاصة وأنه لا يوجد تقديرات فعلية للأعداد المتبقية من هذه الثروة بظل واقع الحرب والأزمة وتداعياتها، وخاصة على مستوى انفلات الحدود البرية مع دول الجوار.