وحدة الشيوعيين السوريين بين اللينينية والبيروقراطية
ما تجري اليوم من حوارات على صفحات صحيفتي قاسيون والنور حول وحدة الشيوعيين السوريين، يلقى اهتماماً واسعاً من مختلف الطيف الشيوعي، واعتقد أن الاستمرار فيه، وتطوير وتفعيل النقاش العلني وعلى صفحات الجرائد سيسهم بشكل كبير في التقارب، بل وأظن أنه يمكن أن يشكل أحد أدوات عملية التوحيد. وقد بينت التجربة أن أوضح المسالك لبناء وحدة حقيقية هو عدم إخفاء شيء عن القواعد والكوادر.
مما لا شك فيه أن مبادرة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين ومن ثم، المقالة التي نشرها الرفيق حنين نمر الأمين العام لفصيل « النور » تتسمان بمصداقية واضحة في العمل من أجل الوحدة وكذلك مجمل النقاش الدائر سواء بين الرفاق أو في الصحف.
الذي دفعني إلى كتابة هذا المقال هو ما نشره الرفيق العزيز سيف الدين القنطار في العدد /308/ من صحيفة النور، يحاور فيه الرفيق ماهر حجار ويبدي فيه رأيه في عملية الوحدة.
وأقول بكل صراحة أنه ورغم اللغة الهادئة والجادة التي اتسم بها مقال الرفيق سيف الدين إلا أنه استفز لدي الكثير من النقاط التي ارتأيت أن أوضحها:
الرفيق سيف الدين يبدأ بمحاورة الرفيق ماهر حجار محاولاً أن يوجد تناقضاً بينه وبين مبادرة اللجنة الوطنية منتزعاً كلامه من سياقه السياسي والمعرفي، إذ أن مبادرة اللجنة الوطنية التي استشهد بمقطع منها الرفيق ماهر والرفيق سيف الدين تقول ما يلي: «ضرورة السعي الحثيث لإيجاد أشكال جديدة مناسبة وفعالة تقرّب الشيوعيين بعضهم من بعض دون إبطاء، ودون تهور..». وهذه الجملة تختلف معرفياً وسياسياً كل الاختلاف عن حديث الرفيق حنين نمر عن «عدم افتعال خطوات قد لا يكون أوانها قد حل بعد، فلكل مرحلة متطلبات، ولها قدرات وإمكانات». ففي التدقيق نجد أن الأساس في عبارة المبادرة هو البحث عن أشكال جديدة مناسبة وفعالة تقرب الشيوعيين من بعضهم البعض، وقد طرحت المبادرة خمسة أشكال جديدة كان يمكن أن يتم التوافق عليها، بينما عرض الرفيق حنين شكلين فقط من الأشكال، وهذان الشكلان قديمان طرحهما الرفيق خالد بكداش عام 1987 في ندائه الشهير ولم يحققا أي تقدم في عملية الوحدة. وأسارع للقول إن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن الشكلين الذين طرحهما الرفيق خالد بكداش والرفيق العزيز حنين وهما الحوار والتنسيق في الأعمال المشتركة؛ هما شكلان عقيمان، أبداً، هما سيكونان عقيمين عندما لا يتم تشكيل هيئات مشتركة مكلفة بوضع برامج لتنفيذ هذين الشكلين.
يختلف الرفيق سيف الدين القنطار مع الرفيق ماهر حجار في مسألتين:
الأولى: هي تجربتا الوحدة اللتان تمتا في عامي 1987 و1991 مذكراً القارئ بالقول المأثور: «صاحب البيت أدرى بالذي فيه». وباعتباري من أصحاب البيت وممن خاض تجربة الوحدة التي تمت في عام 1991 بين «منظمات القاعدة» التي كنت عضواً فيها وبين فصيل «النور»، وانتخبت عضواً في اللجنة المركزية في ذلك المؤتمر التوحيدي. أستطيع القول ودون أية مجاملة أو محاباة وبعد مرور 16 عاماً: إن ما تم في حينه لم يكن عملية وحدة على طريقة الدمج والإلصاق، بل كانت الطريقة أدنى من ذلك بكثير، كانت الطريقة هي طريقة الابتلاع والهضم، وكان يتم التعامل مع الرفاق القادمين من «منظمات القاعدة» على الأساس التالي: «من نستطيع هضمه وترويضه فلنهضمه ونروضه، ومن لا نستطيع أن نهضمه فلنتقيأه»، ومن حسن الحظ أن الغالبية العظمى من الرفاق القادمين من «منظمات القاعدة» كانوا عسيرين على الهضم، مما أدى بهم إلى خروجهم من التنظيم بأشكال عدة. وباعتبار أن «صاحب البيت أدرى بالذي فيه»، فإني لا أذيع سراً إذا قلت إن منظمة حلب لـ «منظمات القاعدة» عندما توحدت مع منظمة فصيل «النور» في حلب كانت تضم المئات من خيرة الكوادر الشيوعية التي تتسم بروح كفاحية ونضالية عالية. ما لبثت هذه المئات من الكوادر وخلال فترة قياسية من الزمن أن غادرت عملية التوحيد، وأعتقد جازماً أنه من بقي مستمراً في عملية التوحيد حتى الآن لا يتجاوز بحال عدد أصابع اليدين، أما المئات المغادرة فقد أضافت كتلة جديدة إلى الفصيل الأكبر من الشيوعيين، وهو فصيل «التاركين»، ولعل جزءاً هاماً منهم اليوم بدأ يتلمس جدية ما تطرحه اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، وهم على ذلك ملتفون بهذا القدر أو ذاك حولها.
المسألة الثانية التي طرحها الرفيق سيف الدين: هي ما تطرحه اللجنة الوطنية وتصر عليه من أن عملية الوحدة يجب أن تتم من تحت لفوق، من القاعدة إلى القمة:
والملاحظ في معالجة الرفيق سيف الدين لهذه المسألة أنه يقع في التناقض مع طريقة معالجته نفسها للمسألة الأولى. فهو عندما عالج التجارب الوحدوية السابقة، حاول بهذا القدر أو ذاك تبرير حالة حزب المنابر التي وصل إليها فصيل «النور» على أساس الدفاع عن حق الكوادر في تقديم آرائهم الخلاقة والمبدعة والصائبة، ورفض الأحادية القائمة على القسر، بينما الرفيق سيف الدين نفسه أصبح عند معالجته للوحدة من تحت لفوق مدافعاً عنيداً عن المركزية الديمقراطية والهيئات الحزبية المركزية التي هي من تتخذ القرارات في النهاية!!!.
وأود القول بوضوح تام إنني من الشيوعيين الذين لا يمكن بحال أن تتزحزح قناعتهم بالمركزية الديمقراطية في البناء الحزبي، ولا أعتقد أن الحزب الشيوعي يمكن أن يبقى حزباً شيوعياً إذا تخلى عن المركزية الديمقراطية.. ولكن أين ومتى وكيف؟؟
عندما وضع لينين أسس البناء الحزبي وضعها لكي ينجز بها مهام سياسية لا يمكن أن تنفذ إلا بهذه الأداة التي أسماها «المركزية الديمقراطية»، فهي بالنسبة له لم تكن سوى أداة من أجل تنفيذ المهام السياسية، ولم يصنِّع صنماً ليعبده الشيوعيون. وإذا تتبعنا التجربة اللينينية نجد أن لينين كان أبعد الناس عن المركزية الديمقراطية عندما كان يفترق مع غيره من الشيوعيين حول رؤية المهام السياسية الكبرى، ففي مؤتمر بازل، شكلت كتلة لينين أقلية المؤتمرين ولم يخضع لينين للأكثرية، وفي المؤتمر الثاني 1903 كانت كتلة لينين البلشفية في اللجنة المركزية أقلية بالنسبة لكتلة المناشفة، وإن كان الوضع معاكساً في القواعد. فماذا فعل لينين عند ذاك؟ لم يبالِ برأي اللجنة المركزية بل اتجه إلى القواعد إلى العمل من تحت وليس من فوق. بهذه الطريقة بنى لينين حزبه وبهذه الروح الثورية حقق أهداف حزبه السياسية. إذ استطاع أن يميز كل التمييز بين الهدف السياسي وبين الأداة التي يمكن أن يحقق بها هذا الهدف السياسي أو ذاك.
اليوم، يجمع الجميع على أن مهمة وحدة الشيوعيين السوريين هي وسيلة أساسية من أجل تعزيز الوحدة الوطنية وتنفيذ المهام السياسية للشيوعيين وإعادة الدور الوظيفي لحزبهم. والسؤال: هل يمكن الوصول لهذه الأداة بأداة أخرى هي المركزية الديمقراطية؟ وهل المركزية الديمقراطية ستوحد الشيوعيين، أم أن على الشيوعيين الحقيقيين أن يستلهموا التجربة اللينينية بالعمل من تحت، بالعمل بين قواعد وكوادر الحزب وإطلاق طاقاتهم الخلاقة في تنفيذ المهام الوطنية والطبقية ببسالة دون أن نولي أي اعتبار للمواقع التنظيمية الآنية والزائلة؟؟
وكوني عملت وعبر سنوات طوال وفي مواقع قاعدية وكادرية وقيادية في كل الفصائل الشيوعية، وخضت مع غيري من الرفاق تجربة الوحدة، وكوني اليوم عضواً في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، أقول اليوم، وبقناعة راسخة ومن خلال التجربة الملموسة شتان بين وحدة تتم من فوق لفوق وبين وحدة تتم من تحت لفوق.
عندما توحدنا في فصيل «النور» 1991 كان همّ الرفاق في فصيل «النور» كيف يبتلعوننا ويكبحوننا، وعندما التزمت مع الرفاق في اللجنة الوطنية كان همّ الرفاق في اللجنة الوطنية كيف يطلقون طاقاتنا ويقدموننا!!!.
وبالقناعة نفسها أقول إن وحدة الشيوعيين السوريين آتية لا محالة..