سكن شبابي وسماسرة
تزايدت عمليات العرض والطلب على دفاتر الاكتتاب على السكن الشبابي، في المحافظات كلها، التي أعلن فيها عن هذا الاكتتاب وسلمت بعض مساكنه فيما مضى، بعد القرار الأخير الذي عُمم من قبل المؤسسة العامة للإسكان بمطلع شهر آب المنصرم.
القرار أعلاه قضى بزيادة القسط الشهري للمكتتبين على السكن الشبابي ليصل إلى 8000 ليرة، وضرورة تسديد 30% من قيمة المنزل عند توقيع العقد مع المؤسسة العامة للإسكان، وقد أصبحت القيمة التخمينية للمنزل تتراوح بين 5-7 ملايين ليرة، وذلك حسب ما تداولته وسائل الإعلام المتعددة.
عبء مالي دون قدرة التحمل
الكثير من المكتتبين عبروا عن عدم تمكنهم من تحمل العبء المالي الناجم عن القرار أعلاه، لا شهرياً ولا على مستوى تسديد النسبة المترتبة من القيمة والبالغة 30%، أي بما يعادل 1.5-2 مليون ليرة، خاصة مع الظروف الاقتصادية والمعيشية القاسية والضاغطة حالياً، مع النتائج السلبية للحرب والأزمة التي طالت كلاً منهم، كما غيرهم من السوريين، ما أفسح المجال أمام المكاتب العقارية والسماسرة لتجيير هذا القرار لمصلحتهم، كما جرت العادة مع مثل هذه القرارات وغيرها، عبر الكثير من الأساليب التي تتلاعب بآليات العرض والطلب على العقارات بتعدد أنوعها وأشكالها.
شاخوا بالانتظار
زيادة العرض والطلب، والتلاعب بهما، كان سببها الآخر هو حالة اليأس والإحباط التي وصل إليها المكتتبين على هذا النوع من السكن منذ مطلع الألفية، حيث شاخ هؤلاء وأصبحوا كهولاً وهم ينتظرون بيت العمر الذي لم ينجز، لعلة لم يكونوا بحال من الأحوال هم سببها، حيث أنهم ولمدة عقد ونصف من الزمن تقريباً، وهم ملتزمون مع المؤسسة العامة للإسكان في تسديد أقساطهم الشهرية، وهم على أحر من الجمر لتفي تلك المؤسسة بالتزاماتها معهم، ولكن دون جدوى، حيث استلمت بعض دفعات من المكتتبين بمراحل سابقة، وهم كانوا من سيئي الحظ الذين لم ينالوا شرف استلام مساكنهم، أو التخصص بها، علماً أن لا فارق زمني بتاريخ الاكتتاب بين هؤلاء.
أسباب أخرى
العبء المالي المترتب على المكتتبين لم يقتصر على الدفعات المطلوبة ورفع القسط الشهري فقط، بل سيتعداها إلى التكاليف التي سيتكبدونها على عمليات الإكساء للمساكن عند الاستلام، والتي تقدر بالملايين بأسعار اليوم، ناهيك عن عدم تيقنهم من الفترة الزمنية التي سينتظروها مجدداً حتى يتم هذا الاستلام، بظل التراخي وعدم الجدية بالالتزام من قبل مؤسسة الإسكان بالمواعيد المقرة من قبلها.
أضف إلى ذلك كلها أن ظروف الحرب والأزمة استنفذت الإمكانات المتاحة كلها لدى شريحة أصحاب الدخل المحدود والفقراء والمعدمين، والمكتتبين بغالبيتهم ينتمون إلى هذه الشريحة عملياً، حيث يقبلون بأي مقدار من الربح الموعود من قبل التجار والسماسرة على عملية البيع، من أجل سد جزء من احتياجاتهم المعيشية اليومية، على حساب جهود عمرهم الماضي المهدورة، وعلى حساب مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.
مبررات بعيداً عن الالتزام
مبررات الجهات العامة الرسمية (الحكومة- وزارة الإسكان- المؤسسة العامة للإسكان) برفع قيمة القسط الشهري والقيمة التقديرية والنسبة أعلاه اقترنت بذرائع ارتفاع الأسعار والقيمة الشرائية لليرة وغيرها من الأسباب الأخرى، التي دفعتها لإعادة حساباتها وحساب مصالحها الاقتصادية والاستثمارية وفقاً لها، والتي تعتبر منطقية من حيث الشكل، ولكنها بالمقابل لم تقدم أي مبرر أو عذر عن عدم الالتزام بتنفيذ تعهدات تسليم الشقق للمكتتبين في مواعيدها، والتي كان من المفترض أن تكون مستكملة حتى بداية عام 2011 حسب المواعيد المعلن عنها عند الاكتتاب، كما لم تقم بإعادة حسابات المودعين والمكتتبين والأقساط الشهرية التي كانوا قد سددوها طيلة هذه المدة الزمنية إلى حسابات المؤسسة العامة للإسكان، وفقاً لمصلحتهم الاقتصادية والاستثمارية أيضاً.
التجار والسماسرة مستفيدون أبداً
يشار إلى أن وزارة الإسكان كانت قد أصدرت قراراً بمطلع عام 2015 يتضمن أسس وآليات التنازل للغير عن مساكن المؤسسة العامة للإسكان، المكتتب عليها أو المخصصة، مع شرط استكمال المدفوعات لتصل إلى 50% من القيمة التقديرية أو التخمينية حسب الحال «اكتتاب أو مخصص»، وذلك من أجل توثيق هذا التنازل ضماناً لحقوق الطرفين.
وقد نشطت المكاتب العقارية والسماسرة والتجار على أثر هذا القرار بحينه، من أجل جني الأرباح الخيالية على حساب المكتتبين أو المخصصين، في استغلال لوضع هؤلاء المعيشي والاقتصادي، الذي أصبح متردياً أكثر مع ظروف الحرب والأزمة.
ومع صدور القرار الأخير فتح باب جديد للتجارة بالعقارات والسمسرة على حساب المكتتبين العاجزين عن الإيفاء بالتزاماتهم، الأمر الذي أدى ويؤدي لوقوعهم فريسة سهلة المنال بيد شريحة التجار والسماسرة والمكاتب العقارية.
أضف إلى ذلك ما تنص عليه القرارات والتعليمات حول الحجز والبيع لأي مسكن بحال التقصير بتسديد الأقساط المترتبة عليه.
تلك القرارات والتعليمات كلها وغيرها يتم الترويج والتسويق لها على أنها من أجل الحفاظ على أموال المؤسسة العامة للإسكان وغيرها من الجهات الممولة الأخرى واستثماراتها، ولكنها بجوهرها تضرب بعرض الحائط بمصلحة المكتتبين والمخصصين والمستلمين، الذين بغالبيتهم من أصحاب الدخل المحدود والمعدمين، وتصب بمصلحة الشريحة المستفيدة دائماً وأبداً والمتمثلة بالتجار والسماسرة، بتنوع مسمياتهم وأحجامهم، وكأـنها تعد وتصدر من أجلهم ولمصلحتهم فقط.
تخلٍ عن الحقوق
المشكلة الأكبر التي تواجه هؤلاء أنهم، حسب القوانين والتعليمات، بحال تنازلوا عن اكتتابهم أو تخصصهم، يصبحون فاقدين لحق الاكتتاب اللاحق على أي مسكن من مساكن المؤسسة العامة للإسكان، بمعنى آخر فقدوا فرصتهم في امتلاك شقة سكنية مستقبلاً عبر هذه المؤسسة، ليبقوا عملياً تحت رحمة السماسرة والتجار بهذا المجال، سواء على مستوى الإيجار أو التملك.
مطالب مشروعة
المكتتبون يطالبون بحقهم في التعويض عن التأخر في الإنجاز والتسليم، حيث تكبد كلاً منهم بدلات إيجار شهرية طيلة مدة التأخير تلك، خاصة وقد أصبح جُلّهم من أصحاب الأسر والمعيلين، بينما كان البعض ممن استلم مسكنه متحرراً من هذا البدل الشهري، ولا فارق زمني بين هذا أو ذاك إلا أرقام الاكتتاب التي ينعدم الهامش الزمني بينها بظل طول المدة الإجمالية من مطلع الألفية وحتى الآن، كما يطالبون بإعادة احتساب قيمة تسديداتهم مع فوائدها بما يعادل الفارق بالقيمة الشرائية لليرة طيلة سنين التسديد التي تجاوزت الـ 10 أعوام، وفقاً للأسس نفسها التي تم اعتمادها باحتساب المصالح الاستثمارية للمؤسسة، وخاصة على مستوى القيمة الشرائية لليرة وتبدل هذه القيمة خلال هذه المدة، مع التأكيد على أن تلتزم المؤسسة العامة للإسكان بالمواعيد المحددة من قبلها لتسليم هذه المساكن، بعيداً عن أية تبريرات أو ذرائع.
أخيراً نورد ما قاله أحد المكتتبين، الذين مضى على اكتتابه أكثر من عشرة أعوام: «ما تم تسديده من قبلنا كأقساط شهرية، خلال هذه السنوات الطويلة، يعادل ما قيمته مليون ليرة بأسعار اليوم على أقل تقدير، ومبررات الإسكان التي قضت برفع الأقساط والأسعار، والالزام بتسديد الدفعات للتخصص، تعتبر غير منطقية وغير عادلة ومجحفة بحقنا، حيث التزمنا ولم تلتزم، وليس مبرراً على الإطلاق أن يتم تحميلنا نتيجة قصور المؤسسة بالتنفيذ».