لئلا يكون العالم غابة صغيرة....!
جاءت الشبكة العنكبوتية ضمن ثورة الاتصالات الهائلة، كي تسهم في تغيير وقلب الكثير من المفاهيم رأساً على عقب، ولكي نجد- فوراً- أن صراع الطبقات قد وجد لنفسه مكاناً ضمن هذا العالم نفسه، ولنكون بالتالي أمام متوالية صراعات لاتنتهي، حيث تحاول كل قوة إمبريالية أن تشدّد قبضتها على خيوط هذه الشبكة تتحكم بها، تستفيد منها، وتوجه دفتها كما تريد، لتحقيق مصالحها دون غيرها، وبخاصة في ظل غياب الروادع، وغياب تشكل الأخلاقيات المطلوبة.
وإذا كان من إنجازات بعض من يسيؤون استخدام الشبكة العنكبوتية من القوى الاحتكارية الخفية هو إطلاق صورايخ مبرمجة على أجهزة الحواسيب والتحكم بها عبر الأقمار الصناعية، وهو ما يولد ثقافة «الهاكرز» لدى بعض الأفراد الذين يتأثرون بثقافة الاستهلاك، كوجه آخر لردع إرادة غيرهم لابل والشعوب، لتتناسق هذه السلوكية مع أدوات حربية أخرى قد تصل إلى الهدف خلال لحظات لإنزال جوي، عبر مروحية ما – مثلا ً – أومن خلال رمي قنابل تختلف من حيث بنيتها، فإن هذا الانجاز يشكل اختراقاً لقوانين حقوق الإنسان، من شأنها أن تدمر أمماً ودولاً وتبيد شعوباً وتزيل آثار حضارات قديمة، ولغات كثيرة من الوجود (وهو ما دفع منظمة اليونسكو منذ العام 1996 للقيام بدراسة أسباب اندثار اللغات في ظل مهب هذه الثورة)، وتعين القوي على الضعيف وتمحو حضوره، وتسخر من كل ما من شأنه الاستفادة منه، للعمل في مطبخها السياسي والعسكري.
وإذا كانت الإمبريالية، قد تركت مجالاً صغيراً لتصفح «النت» والتراسل عبر الانترنت، بعد فرض قيود بحجة إنها الراعي الرئيس للاتصالات، فلقد باتت بعض الجهات في دولٍ عديدة، تمارس بدورها حجب خدمات كثيرة من الانترنت عن شعوبها، لتدخل ضمن دائرة ممارسة سطوة القوة على الأضعف خلال المتوالية المعروفة، وإن كانت هذه السياسة- أصلا- تصب في النهاية في سلة قوى الشر الأكبر، التي تتنفس الصعداء أمام سلوك القوى الأضعف في ممارسة انتهاكاتها في هذا المجال.
إلا أن مشروعاً عالمياً، لا بدّ وأن يتم بإجماع عالمي، وليس بنزاهة معاهدة 1919، التي غضّت النظر عن تعديات على حقوق الضعفاء، رغم أنها خرجت بإجماع شبه عالمي آنذاك، وإن هذا المشروع يجب أن يتمّ في دولة محايدة، وأن يراقب عن طريق إعلام محايد، مصون بموجب صكوك من الأمم المتحدة، والتي يجب أن تثبت حياديتها في تبني القرارات الدولية.
كما ويكون الراعي الوحيد لهذه النظرية الأمم المتحدة في حال بدلت مواقفها الهشة من قضايا الشعوب، وانتقلت إلى مرحلة أكثر استقلالاًً ونزاهة، ويفضل أن يكون مقرها في بلد بعيد عن سطوة الأدوات غير الحيادية، وإلغاء مفهوم الأعضاء دائمي العضوية في مجلس الأمن، أو التهديد بالانسحاب من منظمة الأمم المتحدة.
ومن هنا يمكن التحول باتجاه أن تكون البشرية – بكاملها- شريكاً في هذه الإنجازات المعلوماتية، مسهمة في تشكيل نظرية متفق عليها، بعيداً عن نظرية «العالم قرية صغيرة» التي تتحول إلى «العالم غابة صغيرة»، ويأكل القوي فيها حقوق الضعيف ويلتهمه على امتداد خريطة المعمورة، التي تشكلت -أصلاً- بموجب ثقافة القوة ونزولاً عند نزوة الشر الرأسمالي، والتهام القوي الضعيف وابتلاعه، عبر ثقافة غابية ما تزال مستمرة وتزداد توحشاً.