مطبّات جولة جديدة.. كبيسة
أبينا أم شئنا، خسرنا أم ربحنا، مرت سنة من تضاد، سنة من التناقضات، انهزمنا في أغلب جولاتها، انتصرنا في البعض، يئسنا في البعض الآخر، مرت سنة من الصراع والتمنيات والخيبات.
ودعنا بعض من نحب، نحترم، تعارفنا على أصدقاء جدد يشبهوننا في الرجاء، تذكرنا أحباء قدامى مضوا، أخذتهم طرق جديدة، أحلام جديدة، وأهداف لم يعتنقوها ذات وقت.
مرت السنة الراحلة كبيسة، ليس في شباطها، مطرها، التزاوج الصارخ، النهار المزدحم بالفصول، مرت كبيسة في تنهدنا الطويل، الانتظار المميت لانتزاع لحظة أمل من تاريخنا الملوث بالكبوات، الهزائم، المدن الأم المنهارة تحت ضرباتهم ووهننا، صواريخهم وخذلاننا، انكسارنا وجبروتهم، ابتهالات أمهاتنا لبغداد، والدم المسال بين الأخوة، دموع جدي الذي مات مخنوقاً بالحلم والهزائم الجديدة.
كبيسة.. انتهت بالبوليساريو العائدين إلى السلاح، الأمازيغ المطالبين بجزء من دم صنع بعد قرن من الذل نصر الجزائر، العراقيين المقتتلين على تركة سنوات القهر بالموت على الأرصفة وبسيارة مفخخة، اللبنانيين الذاهبين إلى الفراغ لتحقيق هوى جديد لحلم (هرتزل).
بالذهول العام، الموت الجماعي، الأحلام الخائرة، الابتهالات، صلوات الاستسقاء في العراء، البكاء الصامت، الدعاء على الأعداء بالزوال وجعل كيدهم في نحرهم، وللقادة بلم الشمل ووحدة الصف، المؤتمرات التي تؤجل موتاً، ثم تحيي ميتاً، مرت.. كبيسة.
اقتتل العرب، اتحدوا، اختلفوا، اجتمعوا، تفرقوا...مدن تنهار، وأخرى معاندة، معتدلة، مواجهة... خونة وجواسيس، شهداء ورافضون... دويلة، دولة... دويلات، أمة.. رأسمال.. اشتراكية، سوق مفتوحة، رفع الدعم، المدعومون، هزات أرضية، ثقب الأوزون، ارتفاع حرارة الأرض، التلوث... عيد الميلاد ورأس السنة.. مفردات السنة الكبيسة.
2007 السنة الكبيسة كأخواتها، خسرنا ما قد خسرناه، الحلم البسيط لنسائنا في بيت يشبه القن، في وسادة لا تحز الرقبة كأنشوطة، في أطفال يفرحون، يخبئون سراويلهم وقمصانهم الجديدة تحت الوسادة، انتظار(عيدية) الجدين والأقارب، في السنة الكبيسة فرغ كيس (بابا نويل) من الهدايا، وصار دخول الحدائق يحتاج من الأب إلى تدابير وقائية لجوع باقي الشهر، ماتت أغاني العيد القديم (يا ولاد محارب)، (بكرة العيد وبنعيد)، وحلت بدل الساحات الفقيرة (الأرض السعيدة)، وبدل قبل الوجنتين رسائل الموبايل.
2007 السنة الكبيسة، لم نتحرر بعد من صوتنا المخبوء في حناجرنا فقط، ما زلنا نثرثر في السياسة والحب، ونقرأ وصية ماركيز الأخيرة بأقل من شغف البارحة، ونرجو أن يكتب درويش قصائد لنا، نحن الذين نصر على مؤامرة البقاء، فأثر الفراشة يشبه إعلان الإفلاس والنهاية.
على بوابة رقم جديد، وسنة جديدة نعتقد أنها كبيسة، لسنا متفائلين بالقادم المجهول، سحابة يأس تشبه لون التلوث وأنت ترى دمشق من قاسيون، تشبه تزاحمنا على كل الأشياء، وانفراطنا لحظة نريد التكتل، لسنا متفائلين بمن يودعنا بلا أمل، بفواتير غير قادرين على دفعها، بمن يعتلينا بلا رحمة، ويتزوجنا كبهائم، بالحب لمدينة صار عبئاً علينا، بسوار الفقر الذي يلف المدن ببؤس شديد، بمن سيتركنا للمتنافسين على اقتسام ما لدينا من فتات.
على بوابة السنة الجديدة، لو يخرج أحدهم ويقول: هذا العام أنتم بخير، لا يتركنا في مهب ذواتنا نردد: (كل عام ونحن هكذا)، ما نريد... قليلاً من الوقت لفرح الصغار، وطناً على قد قروشنا، لا تهديد بقطع الدعم عن ثرواتنا، لا غلاء يصعد ولا يهبط، لا وزير فوق القانون، لا محافظ يرى ما يريد، لا رئيس بلدية أوصلته علاقاته المالية والنسائية وصار يتصرف بنا كخدم، لا مسؤول دون حساب، لا رقيب على مفرداتنا سوى الوطن بأكمله، بعض الشجاعة لنقول لأحد اللصوص: ارحل، لتاجر: كفى جشعاً، لمن يزاود: نحن أيضاً سوريون، لو يخرج أحدهم علينا بصوت عال: أنتم بخير.
أيتها القادمة لا محالة، شئنا أم أبينا، بما نريد ونحلم، برجائنا وواقعنا، لا نملك نحن الأغلبية البائسة سوى أن نحتفل بك كعشاء أخير، أن نترك بعض الأمل لنصافحك، رغم كل النشيج الذي أسمعناك إياه، فربما تلد السنوات العجاف موسم خير، اشتقنا لبردى الغزير كفحل، وللغوطة كأنثى ولود خصيبة، لكسر بطيخة في المرجة دون نظرات مريبة، لجبل الشيخ الأبيض، لعين الفيجة السبيل الدمشقي الأزلي، للربوة ومقهى (أبو شفيق)، لقاسيون أخضر دون نوافذ معتمة، لمشوار على الأقدام إلى (باب توما) دون سيارة واحدة، لدمشق خاوية إلا من بشرها الطيبين، اشتقنا لسنة لنا، وإن كانت كبيسة.