عبسي سميسم عبسي سميسم

وزارة السياحة تقوم بأكبر عملية ذبح علنية! العيدية المقدمة لأهالي دمشق القديمة: الاعتداء على استقرارهم

مع تزامن عيدي الأضحى والميلاد، واقتراب احتفالية دمشق عاصمة للثقافة كانت تهنئة وزارة السياحة لأهالي دمشق القديمة بأن وجهت إلى مالكي وشاغلي 87 عقاراً منهم إنذارات بوجوب الامتثال لعملية سلبها لمحلاتهم التجارية وبيوتهم، وذلك بغية تأجيرها لمستثمرين عرب وأجانب، بحجة الاستثمار السياحي، وذلك من خلال أوقح عملية نصب تقوم بها جهة حكومية في تاريخ البلد، فدمشق القديمة الواقعة ضمن السور والمصنفة لدى منظمة اليونيسكو جزءاً من التراث العالمي، وأقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، والمصنفة لدى وزارة الثقافة كمنطقة أثرية يمنع الهدم والإستملاك فيها إلا بعد موافقة السلطات الأثرية .

لا تزال المنطقة الأكثر إغراءً للجهات الحكومية كافة  وبالتالي فهناك محاولات مستمرة للاستيلاء عليها وتشريد أهلها، وقطع أرزاقهم،بشكل مخالف لكل القوانين والأعراف، (وعلى عينك يا تاجر)، إلاّ أن وزارة السياحة كانت أكثر وضوحاً في عملية سلبها لتلك المنطقة من الجهات الأخرى، فهي تريد بكل صراحة وكل وقاحة سلب الناس محلاتهم وعرض تلك المحلات في سوق الاستثمار السياحي، (وطبعاً لهم الأولوية في استئجار محلاتهم بأسعار سياحية بعد أن تعطيهم الوزارة ثمناُ بخساً لمحلاتهم لا يتعدى أجرة شهر (حسب أسعار وزارة السياحة).

عملية نصب سابقة بالاشتراك مع المحافظة

فقد بدأت الوزارة بتنفيذ خطتها بشكل عملي منذ عام 2002 حين وجهت المحافظة إنذارات مدتها 48 ساعة لأصحاب المحلات في خان سليمان باشا المستملك منذ عام 1982 دون موافقة السلطات الأثرية، وقامت بالاستيلاء على محلاتهم وترحيلهم منها ليصار إلى تسليمها إلى وزارة السياحة من أجل عرضها في سوق الاستثمار السياحي، علماً أن شاغلي المحلات كانوا قد حصلوا على حكم قضائي من مجلس الدولة بإبقائهم في محلاتهم شرط تغيير مهنهم إلى صناعات جلدية، فكتب الشاغلون تعهدات لدى الكاتب بالعدل بأن يغيروا مهنهم وفق متطلبات الحكم القضائي، ولكنهم حين تقدموا بطلبات إلى المحافظة لتغيير المهنة، لاحظوا وكأن أمراً شفهياً من المحافظ لعدم قبول أي طلب ترخيص، ولما طلبوا مقابلة المحافظ آنذاك، رد عليهم مكتبه أن العقود ستكون جاهزة خلال أيام وبالفترة نفسها وجه رئيس مجلس الوزراء الكتاب رقم 1715/4/1 تاريخ 16/11/2002 الذي يدعو المحافظة إلى التريث بالإخلاء إلى أن يبت القضاء بالأمر وتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بهذا الشأن، ولكن رغم هذا الكتاب ورغم الحكم القضائي، فوجئ أصحاب المحلات بأن عقودهم قد تحولت إلى إنذارات إخلاء مدتها 48 ساعة (علما أن قانون الاستملاك ينص في فقرة الاخلاء على أن لا تقل مدة إنذار الإخلاء عن ثلاثة أشهر)، إذ قامت محافظة دمشق بالاستيلاء على محلات الخان، وسلمتها لوزارة السياحة التي تعرضها في سوق الاستثمار السياحي لتحقيق أرباح فاحشة بشكل مخالف لقانون الاستملاك الذي لا يجيز للدولة من خلال الاستملاك أن تحقق أرباحاً فاحشة على حساب المواطن.

وعادت وزارة السياحة لتقوم بالسيناريو نفسه، ولكن بشكل أوسع على جزء آخر من دمشق القديمة، واستغلت فترة عطلة عيدي الأضحى والميلاد ووجهت إنذارات مدتها عشرة أيام لشاغلي 87 عقاراً بوجوب إخلائها خلال هذه المدة، وإلا فإنهم سيتحملون تبعات الأضرار الناجمة عن تنفيذ هذا الإنذار، وقصة هذا الاستملاك الجديد رواها لنا بعض أصحاب المحلات الذين سيشردون من محلاتهم، وتقطع أرزاقهم لتباع لغيرهم.

السياحة تتاجر بمصادر رزق أهالي دمشق

السيد منصور الخطيب كان يملك محلات تجارية في خان سليمان باشا تم الاستيلاء عليها سابقاً، وبقي لديه محل في منطقة البزورية (خان الرز). قال: بعد أن سلبونا محلاتنا في خان سليمان باشا، هاهم يعودون ليسلبونا ما تبقى من محلات نعيش منها في خان الرز.

وتابع السيد منصور: إن وزارة السياحة استملكت خان الرز لتخديم خان أسعد باشا الذي كان مزمعاً إقامته كفندق تراثي، وفي منتصف التسعينيات ألغيت فكرة الفندق التراثي، وبالتالي انتفت الغاية من الاستملاك لخان الرز، وقد أكد وزير الثقافة هذا الأمر بكتاب رسمي صادر عنه يقول فيه: (نظراًَ لانتفاء الغاية من الاستملاك فإن رأي وزارة الثقافة الفني هو إلغاء الاستملاك)، كما أن وزارة السياحة لم تأخذ إلى الآن موافقة وزارة الثقافة من أجل الاستملاك (كون الخان مصنف أثرياً)، وهذه مخالفة أخرى ومع ذلك فوجئنا بأن وزارة السياحة تريد الاستيلاء على محلاتنا من أجل الاستفادة من فروغ جديد واستثمار الموقع علماً أن الحصول على فروغ جديد يتنافى مع تعليمات محكمة مجلس الدولة وكذلك يتنافى مع المادة 35 من مرسوم الاستملاك رقم 20 لعام 1983.

أحد أصحاب المحلات في منطقة خان أسعد باشا، أكد أن وزارة السياحة قد استملكت محله ببدل استملاك قدره 90 ألف ليرة، وأبقته فيه بعد أن سطرت معه عقد استثمار بـ 250 ألف ليرة سنوياً، وتابع: أنا لا أستطيع فهم هذا الأمر والغاية منه، فأنا أعلم أن الاستملاك ينفذ ليحقق نفعاً عاماً، (بناء مدرسة، بناء مشفى.. وغيرها)، ولكن أن تشتري محلاً من صاحبه رغماً عنه بـ90 ألف وتؤجره إياه بـ 250 ألفاً في السنة فهذه عملية سرقة لا يقبل بها قانون ولا عرف ولا دين..

الحكومة تخرب دمشق القديمة

أما السيد بدر الدين العوف رئيس لجنة إحياء دمشق القديمة، فبعد أن ذكّر أن مدينة دمشق القديمة أقدم عاصمة مأهولة في العالم، أكد أنها تتعرض لعمليات التخريب للنسيج العمراني والمعماري الأصيل والتهجير للنسيج التراثي الإنساني العريق منذ 1960 تاريخ قرار الاستملاك الظالم، الصادر عن المشير عبد الحكيم عامر نائب رئيس الجمهورية المتحدة آنذاك، وبالرغم من آلاف الكتب والدراسات التي أرسلت إلى الحكومة والتي تدعو إلى إلغاء الاستملاكات في دمشق القديمة إلا أن الحكومة ماضية في مخططها التخريبي لهذه المدينة، فجميع أدوار مجلس الشعب منذ عام 1979 إلى الآن قدمت دراسات واقتراحات وتوصيات لإلغاء قرار الاستملاك المذكور، وإلغاء كافة الآثار الناجمة عنه، وإعادة العقارات لأصحابها، وفي الدورة الماضية لمجلس الشعب وبناءً على توجيهات رئيس الجمهورية بإلغاء الاستملاكات العشوائية، شُكلت لجنة في مجلس الشعب برئاسة حنين نمر عضو المجلس عملت لعدة سنوات، أوجدت من خلالها جميع مبررات إلغاء قرار الاستملاك وعرضتها على المجلس الذي وافق عليها بالإجماع، ثم رفعتها إلى رئاسة الحكومة كتوصية من مجلس الشعب، ولكن الحكومة لم تتجاوب مع هذه التوصية.

 وتابع السيد بدر الدين العوف: لقد قابلت مع وفد من أهالي دمشق القديمة رئيس مجلس الوزراء بتوجيه من نائب رئيس الجمهورية الدكتورة نجاح العطار، ولكنه لم يتجاوب معنا نهائياً، وكان رده علينا أن توصيات مجلس الشعب غير ملزمة للحكومة، وأنه لا توجد قوة تستطيع إلغاء هذا الاستملاك!!

وتساءل السيد العوف: إذا كانت الحكومة لن تأخذ عمل اللجنة التي شكلت في مجلس الشعب، فلماذا كلفت أصلاً بدراسة الموضوع، ولماذا أضاعت كل هذا الوقت طوال السنوات التي عملت بها؟ وتابع: منذ عدة سنوات عرضت علينا محافظة دمشق أن تبيعنا بيوتنا الأثرية بعد أن سلبتنا إياها بقيم وهمية (لا تعادل قيمة حصيرة في العراء)، وتريد أن تبيعنا إياها الآن بالملايين، ولكننا لم نقبل طبعاً بعملية النصب هذه، وبين عشية وضحاها فوجئنا أن وزارة السياحة صارت وصية على معظم مناطق دمشق القديمة من أجل استثمارها سياحياً وتحويلها إلى مطاعم وكبريهات.. وقد قامت مؤخراً بإنذار شاغلي 87 عقاراً في سوق البزورية وحول خان الرز بالإخلاء فوراً خلال عشرة أيام واقتلاع أصحاب المحلات من جذورهم والقضاء على مصدر رزق أطفالهم وشيوخهم وعمالهم وعائلات عمالهم.. وتابع السيد العوف: لقد أرسلت 37 مذكرة خلال فترة العيد إلى كافة الجهات في الدولة والجهات الحريصة على التراث، علها تجد آذاناً صاغية تستطيع ردع هؤلاء المخربين الذين يسعون إلى تدمير القيم والأخلاق وتحويل العائلات إلى فقراء ومحتاجين ولصوص..

كلمة أخيرة

إننا في «قاسيون» نضم صوتنا إلى صوت هؤلاء المواطنين الذين مازالوا منذ عقود عدة يتعرضون لأبشع أنواع الابتزاز والعسف من جهات يفترض أنها مكلفة برعاية شؤونهم، وليس توتيرهم وإرهابهم وجعلهم بعيشون بحالة مستمرة من القلق على مصيرهم ومصيرهم أطفالهم وأسرهم.

إن ما يجري في هذا الحي بالذات الذي يصر المسؤولون على ذبحه رغم كل الاعتراضات والاعتبارات التاريخية والأخلاقية والجمالية، يترك إشارات استفهام كبيرة حول الجهات التي ستستفيد من تنفيذ قرار الاستملاك الجائر بحقه، ويعيدنا للنقطة الأولى في الموضوع، يوم استملاك الحي، حين لم يكن للأوابد والآثار في دمشق القديمة أي اعتبار، وبالتالي تم الاعتداء على الثراء الجمالي الخاص لأقدم عواصم الأرض.. دمشق..

آخر تعديل على الخميس, 24 تشرين2/نوفمبر 2016 15:26