«مونوريل» و«مترو» دمشق.. كثير من الحلم.. كثير من الوهم..

من حقنا نحن الذين تآكلت أقدامنا من الجري وراء كرسي مريح في حافلة، أو كلمة طيبة من سائق، أو راكب مثلنا لا يدفعنا على وجهنا، من حقنا أن نحلم قليلاً، كذلك من حق المدينة التي انكسر ظهرها من تدافعنا، وتزاحمنا، أن تحلم ببعض الهدوء.

المتنفذون لم يتركوا حلاً نظرياً إلا وجعلوه حلماً نلهث خلفه بلساننا الطويل المتدلي على إسفلت المدينة الحار، لكن في الواقع، ما زلنا نحن الذين نجر الحلم خلف السرافيس التي اجتاحت المدينة كالفئران.

المشاريع الكبرى كما يقول المهندسون في دمشق المخنوقة هي الحل، وأن ما يجري من حلول هو مجرد ترحيل أزمات أو انتظار المأساة، ففي ندوة إستراتيجية المرور والنقل في دمشق –الواقع والحلول التي أقامتها نقابة المهندسين بدمشق في 10/9/2007، تناول المشتركون الواقع المأساوي للمدينة المهددة بالموت اختناقاً، وتركزت الحلول على مجموعة من المشاريع القادرة على الإنقاذ الجذري للمدينة من واقعها، لا إطالة عمر المشكلة.

في ذمة المتنفذ

ما من شك أن هناك من يريد لهذه المدينة خيراً، ولأزمتها أن تأخذ طريقها إلى الحل، ولنا أن نعيش كباقي خلق الله، نصعد باحترام، ونجلس على كرسي أنيق لا يوجع الظهر المهدود، وأن يقال لنا كلمة طيبة في الصعود والهبوط، لا أن نقف كالقطعان نحك ظهورنا بظهور بعض، دون أمراض جنسية ونفسية.

في ذمة المتنفذ 3 مشاريع للخلاص الجزئي إن أنجز بعضها، والراحة إن نفذت كلها، لو بقينا على قيد الحياة لحينها.

الصفقة الصينية

تم توقيع عقد بتاريخ 31/12/2005 بين وزارة النقل وشركة صينية لتوريد 600 باص لشركات النقل بتاريخ 12/7/2007, حيث وافقت رئاسة مجلس الوزراء ووزارة المالية على رصد مبلغ 300 مليون لفتح الاعتماد, وبنسبة 15% من قيمة العقد، وهذا يكون إشعاراً ببدء التنفيذ, ومازال الموضوع قيد المتابعة.

الصفقة الإيرانية

في بداية عام 2006 تم توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة النقل وشركة أميران الإيرانية لتوريد وتشغيل 1200 باص, ونظراً لأهمية هذا المشروع، ونظراً للرغبة الكبيرة في حل الأزمة, تحولت مذكرة التفاهم إلى عقد بالتراضي بين الشركة العامة للنقل الداخلي بدمشق والشركة الإيرانية بتاريخ 27/9/2007, بالإضافة إلى ذلك هناك عدة عروض جديدة من شركات نقل خاصة سورية وعربية للاستثمار في هذا المجال.

مشروع مترو دمشق

تسعى محافظة دمشق بشكل دؤوب ومتواصل لإنهاء الدراسة التنفيذية لمشروع مترو دمشق, وأهم الخطوط، والمرشح الأكبر للتنفيذ في حال توفر التمويل اللازم ما عُرف عالمياً بالخط الأخضر الممتد من حرستا إلى السومرية ومعضمية الشام.

مشروع المونوريل ( قطار السكة الواحدة)

وهو عبارة عن قطار محمول على مسار أسمنتي, يرتفع عن الشارع حوالي خمسة أمتار, يتميز بالسعة الكبيرة وسرعة الوصول والحركة, بالإضافة إلى الهدوء والراحة والأمان, وملائمة هذا النمط من وسائل النقل للبيئة, ونظافة الجو بسبب استخدام الطاقة الكهربائية.

هل هو حلم؟

عُينت له إدارة للوصول إلى العرض الأهم الذي ستقدمه الشركات المتقدمة للتنفيذ، ولكنه طوال العشرين سنة الفائتة، كان الحديث عنه مجرد خداع وكذب كما يقول عنه مديره المهندس طارق العاسمي، إنه مشروع (مترو) دمشق.

ولكن للعلم يؤكد المهندس العاسمي على أن الدراسة التي يعدها الفرنسيون بدمشق الآن ليست سوى دراسة مبدئية أولى، ستكون مقدمة للدراسات الأخرى التنفيذية، على عكس ما تداولته بعض الصحف من أن مشروع المترو سيكون قيد التنفيذ في سنة ونصف.

في الندوة المذكورة تحدث العاسمي عن خلفية مشروع المترو، وكيف تم الوصول إلى الصيغة الاتفاقية مع الشركة الفرنسية، ويمكن اختصارها كالآتي:

- تم الحصول على منحة من بنك الاستثمار الأوروبي وقدرها 2.5 مليون يورو من أجـل دراسة وفحص كافة الخيارات المتعددة: الفنية، التنظيمية، المالية واعتبارات التشغـيل والتـوريـد التي يمكن تطبيقها على محور الخط الأخضر لمترو دمشق، ومن ثم تقديم الاقتراحات والتوصيات النهائية حول الخيار المفضل للتنفيذ، وذلك استكمالا للمرحلتين الرابعة والخامسة من الدراسة الفرنسية التي تمت سابقاً حول بدائل النقل العام.

- تم اعتماد مديرية هندسة المرور والنقل جهة متابعة للمشروع ومسؤولة عن تأمين كافة مستلزمات العمل والدراسة بالإضافة إلى التنسيق مع كافة الجهات المعنية.

- قام بنك الاستثمار الأوروبي وبالتعاون مع محافظة دمشق بإعداد الشروط المرجعية لدراسة مترو دمشق وإعلانها مناقصة في مجلة الاتحاد الأوروبي. وقد تم استلام 6 عروض فنية من شركات أوروبية ذات شهرة دولية في مجال المترو.

- تم فض عروض المناقصة في لوكسمبورغ في بنك الاستثمار الأوروبي وبمشاركة ممثلين من محافظة دمشق، حيث رست المناقصة على تضامن شركة «سيسترا» الفرنسية مع شركة خطيب وعلمي اللبنانية كأفضل عرض فني ومالي.

 - باشر الفريق بالدراسة في مكاتب مديرية هندسة المرور والنقل بتاريخ 1/6/2007، وستستمر الدراسة لمدة /18/ شهراً. 

إذاً، تجاوز المشروع حيز الحلم، ولكن هل ستطوى الدراسة الفرنسية، ونعود للحديث عن مشروع حلم آخر يعيد بعض الهواء النقي لنا ولدمشق، سنرى.

الوضع المروري والنقلي والبيئي لمدينة دمشق

المهندس محمود الحفار من المهندسين الذين بادروا لتقديم مشروع يساعد في الحل، قطار السكة الواحدة، ولكنه أسهب في الحديث عن الواقع المروري والبيئي والنقلي الذي تعيشه دمشق.

في الوضع المروري حيث يبلغ طول شبكة الشوارع في مدينة دمشق حوالي 200 كم، وتتميز هذه الشوارع في كون معظمها مؤلف من حارة أو اثنتين، وفي أفضل الأحوال من ثلاث حارات، يضاف إلى كل هذا التردي أن هذه الشوارع والرئيسة منها، تعاني من اختناقات مرورية عالية، وتصل الغزارة في بعض الشوارع المركزية إلى 3000 مركبة في الساعة الواحدة بالاتجاه الواحد، وخصوصاً في وقت الذروة الذي امتد ليطال الساعات على اختلافها.

 ومن الإحصائيات التي ذكرها المهندس الحفار أن الشوارع الرئيسة في دمشق تعاني بنسبة 45% من مستوى الحمولة العالية التي تفوق قدرتها على التمرير، كما يصل حجم المرور المار في بعض الساحات مثل ساحة الأمويين والعباسيين إلى 12000 مركبة في الساعة.

أما بخصوص وضع النقل في المدينة، فهي تعتمد على الميكرو باصات التي تتسع لـ14 راكباً كواسطة نقل رئيسية للركاب في المدينة، وفي ساعات الذروة والازدحام تصبح هذه المركبات الصغيرة بحالة عجز عن تأمين انتقال الركاب، ولا ننسى العجز الواضح في المناسبات.

الأمر الآخر المتعلق بإمكانيات الراحة التي لا تؤمنها هذه الوسائل، والرفاهية المطلوبة للركاب، عوضاً عن مشاكل الاختناقات المرورية والفوضى وعدم الانضباط والتقيد بقانون السير.

 في الوضع البيئي تبدو المسألة أكثر من مأساوية وربما تصل في وقت قريب إلى الكارثة، فقد تبين نتيجة القياسات والتحريات ارتفاع قيم العوامل الملوثة في الجو للعديد من المركبات والعناصر من أهمها:

*غازات الكربون CO، CO2.

*غاز ثاني أكسيد الكبريت SO2.

*مركبات الرصاصpb.

*أكاسيد النتروجين NOx.

*المركبات الحلقية العطرية، العوالق، السلاسل الهيدروكربونية.

مشروع القطار المحمول (المونوريل)

وهو من الحلول المستقبلية التي تتكامل مع بقية الحلول، وليس حلاً وحيداً لأزمة النقل في دمشق، ويمكن أن يكون أكثر جدوى بالتواكب مع مشاريع المترو- خطوط الضواحي- الترام – الباصات، ومدة تنفيذ هذا المشروع الذي سيبلغ طول الخط الأول منه 9كم، أقل من ثلاث سنوات.. ويتميز عن بقية المشاريع الأخرى المطروحة كحل بأنه أقل تكلفة مادية من مشروع المترو، وكذلك في مساره الذي يمر به حالياً أعداد كبيرة من خطوط النقل العام والسيارات العامة.

من المتوقع أن يخدم المشروع بعشرة قطارات، يتألف كل منها من ثلاث عرباتٍ، وهذا يتناسب مع حجم الطلب الحالي على النقل والمقدر 3149 راكباً/سا/اتجاه، ومن المتوقع أن يكون الطلب على النقل عام 2023 بمقدار 6294 راكباً/سا/اتجاه، وهذا بدوره يتطلب تشغيل 14 قطاراً يتألف كل منها من 4 عربات.

وسوف يزداد الطلب على النقل في العام 2038 بمقدار 9806 راكباً/سا اتجاه، وهذا يتطلب كل منها تشغيل 16 قطاراً يتألف كلاً منها من 5 عربات.

مقترحاتهم..

من أجلنا، يتابعون العمل النظري، يقترحون، يفكرون، يعدون الدراسات، ويعقدون الندوات، ولكن النتيجة أن من هم في موقع القرار يفكرون حسب أهوائهم ومصالحهم. من المقترحات، المجمع الحكومي الذي كان في (المعضمية)، همس في أذني أحد المهندسين (غيّروا رأيهم)، في سؤاله عن البديل أجاب: «لست أدري، سمعت أنه صار على طريق عدرا».

بالنسبة للساحات، فالواحدة كالعباسيين مثلاً، أخذ تزيينها قرابة السنة، والأمويين تدخلت القيادة السياسية لإنهائها، والحديث عن سوء المواصفات ما يزال جارياً.

مع كل اليأس منهم، وعدم الأمل فيما يقولون، هذه بعض اقتراحاتهم لحل أزمة دمشق وأزماتنا:

- إنشاء مجمع حكومي للوزارات والدوائر الحكومية الهامة بعيداً عن مركز المدينة, وإخراج كافة الفعاليات الحكومية منه.

- إنشاء مرائب جماعية طابقية.

- دمج التخطيط العمراني مع تخطيط النقل.

 - التوسع في إجراءات تطوير الشوارع والعقد الطرقية والساحات الدائرية، من خلال إقامة الجسور والأنفاق، وفي عدة مستويات.

- تأمين استيراد الباصات الجديدة.

- تعديل التعرفة لتتوافق مع كلفة التشغيل.

- تعيين سائقين وفنيين بصفة متعاقدين.

- المباشرة بمشروع القطار المحمول المونوريل.

- إقامة المرائيب تحت الساحات والحدائق.

الواقع... الواقع

ما زلنا حتى تاريخه، نعيش الواقع بكثير من التعب، وقليل من الأمل، النقل الداخلي تم إعلان نهايته بداية التسعينات واستعيض عنه بالسرافيس تلبية لرغبة أحد أصحاب المال والسلطة، وصرنا جميعاً في طوابير طويلة، وباع فلاحونا أراضيهم ليصبحوا سائقين، وباعت النساء أساور أعراسهن، وعاد المغتربون ليستثمروا في النقل، ومع ذلك ما زلنا نصعد العائد (جحش الحكومة) على الواقف، ويشير لنا أصحاب السرافيس بأيديهم لنصعد على الجنب.

ما زال سائق باص النقل الداخلي يتبجح بالقول: (لولا الليرتين لكنت عطلت الباص)، فهو يبيع بطاقة الثماني ليرات بعشر، ويحشر الباص بشراً، وما زالت سرافيس الزمن المهين، تأتي متى تشاء وتذهب متى تشاء، وخط (دحاديل) لا يصل إلى البرامكة، بل يعود من باب مصلى، كذلك خط يرموك سومرية، يرسم دائرة بيده، أي أنه يصل فقط إلى البوابة، وما زالت شرطة المرور بعيدة عنا، قريبة منهم.

ما زلنا في الطريق.