لنرتكب غير هذا الحلّ!
عندما يتجول المرء في شوارع دمشق، وتعترض طريقه مركبات النقل العام والخاص والسيارات كثيرة الخصوصية في جولاتها الملحمية ذهاباً وإياباً، فإنه يبدأ بتأمل الأرصفة باحثاً عن دهاليز يعبرها بين البشر إلى مكان ما هنا أو هناك، وينسى مقصده لبرهة، فيبدأ (هادفاً التذكّر) بتأمل هذه المركبات المحتشدة المتسارعة إلى أهدافها، ليتفاجأ بأن الأرصفة الممتلئة بالأقدام لا تختلف كثيراً من حيث الامتلاء عن مقاعد الباصات أو المكروباصات، فهذه الأخيرة تئن تحت ثقل الأعداد الكبيرة من الناس، وتضيق بمن تحملهم لدرجة تدفع ناظرها إلى الاستعاذة بالرحمن اللطيف، لكن الذي يشد انتباهه ويفاجئه بشكل فاحش هو تلك السيارات الفارهة التي تتسع في أقل تقدير لأربعة (بني آدمين)، إذ يراها تحمل على مقاعدها الوثيرة إنساناً واحداً فقط... وهو السائق!.
هنا يأتي السؤال الذي قد ينسيه ليس مقصده فحسب، بل مكان بيته الذي خرج منه! فبعيداً عن (ضيقة العين) والحسد، وبعيداً عن الحقد الطبقي الذي يتهمه به أصدقاؤه، ينهال على نفسه بالشتائم متسائلاً: «هل نمتُ أكثر مما ينبغي ليلة أمس؟!» فهو (حسبما يعلم) لا يعيش في نيويورك، بل في دمشق، وهو متأكد أنه حيث يعيش لم تتحول السيارة إلى أمر (حاجوي) شديد الأهمية لدرجة أن يصبح لكل إنسان سيارة.. كما هو شأن الموبايل مثلاً! لاسيما أن شوارع مدينته لا تتسع للراجلين.. فكيف تتسع لآلاف السيارات الزائدة؟! وهل نام أكثر مما ينبغي أو يستحق ليشهد هذا النمو السياراتي يغطي كل بقع الزفت المهترئة في شوارع مدينته التي امتلأت بالدخان، وجفت ضروع غيماتها القليلة من المطر؟! الأكيد أنه لم يستغرق في النوم، لكن ضمائر المسؤولين عن هذه الفوضى هي التي استغرقت في كهفها باحثةً عما يحقق لها الربح، دون اعتبار لما تستوعبه دمشق من صدأوتلوث وضجيج!.
إن (منظر) السيارات وهي تعبر حاملةً سائقها فقط، مقابل فنتازيا السرافيس الغاصّة بركابها، لهوَ شيء مؤلم يا أولي الألباب، و(منظرنا) ونحن نتراكض لزيادة الطين بلّةً بلهاثنا وراء اقتناء المزيد والمزيد من السيارات، لهوَ أشد ألماً يا حضرات..
سواء كنا راجلين أم على مقاعد سياراتنا جالسين.. فإلى أين نتجه؟!
هل أصبح الحل الوحيد لأزمات المواصلات اللامتناهية، أن نشتري سيارةً ونحجز دوراً لنا في أحد الطوابير الطويلة.. فلا نصل.. ولا نسمح لرحمة الوصول بأن تصل؟!