وداعاً لبردى والياسمين
هل ما زالت دمشق مدينة الياسمين؟ وهل ما زال بردى قابلاً لأن يتغنى به المرء؟
لسان حال سكان العاصمة يقول عكس ذلك تماماً، فما عاد بردى هو بردى الذي تغنى به الشعراء، وشربت من مائه غوطتيها حتى ارتوت، فقد بات بردى عطشاً للماء بعد أن أصبح مكباً للنفايات ولمياه الصرف الصحي، وبؤرة للحشرات والجرذان والجراثيم والأوبئة.
فروع نهر بردى كلها التي تدخل مدينة دمشق أصبحت بحال يرثى لها، كما بات سكان دمشق بحال يرثى لها أكثر، حيث لم يسلم حي من الأحياء من الروائح النتنة التي تعبق في الأجواء جراء جفاف أسرّة فروع بردى، إلا من برك ماء آسنة شبه راكدة لا يمكن أن يقال عنها إلا مستنقعات ضحلة للأمراض والروائح الكريهة.
محافظة دمشق وكأن الأمر لا يعنيها، فهي لم تقم بتعزيل مجاري فروع بردى داخل المدينة منذ سنوات، مما راكم من الأوساخ فيها، وتكاثرت تلك النفايات بالشكل الذي يعيق عملياً من تدفق المياه في هذه الفروع، إضافة إلى ذلك فهي لم تعد تقوم برش المبيدات الحشرية داخل المدينة، وخاصة على ضفاف هذه الفروع مما فسح المجال للمزيد من تكاثر الحشرات والبعوض، مع كل ما يستتبع ذلك من إمكانية في نقل الأمراض وتفشيها، اللهم ما تقوم به من رش لتلك المبيدات في بعض الأحياء الراقية فقط.
عذراً دمشق، وعذراً من كل من تغنى بك وبفروع بردى التي كانت تعتبر شرايين الحياة فيك، عذراً من روائح الياسمين والليمون والوردة الشامية، التي لم تعد باستطاعتها أن تغطي على روائح العفن والنتن التي يبثها ما تبقى من بردى.
وليس هناك من عذر لمحافظة المدينة التي أوصلت دمشق إلى ما هي عليه، وكأن لسان حال تلك المحافظة يقول سننزع من دمشق عاشقيها، وسنزيد من شقاء سكانها شقاءً، فلم يكف أنه يتم انتزاع الغطاء النباتي عنوة منها ومن غوطتها تباعاً، لتسير على درب التصحر، بمقابل اغتناء بعض التجار والفاسدين عبر كتل الاسمنت العمراني المتوسع على حساب هذا الغطاء، بل يتم الإهمال المتعمد لبردى بفروعه من أجل المزيد من التصحر والجفاف، بالإضافة إلى المزيد من الأمراض والأوبئة.
وسكان العاصمة حالهم يقول على أي الجبهات يجب أن نقف وندافع، فقد أُثقلنا بالهموم، ونكبتنا الحروب، واستنزفتنا سياسات الإفقار، ليأتي أخيراً هذا الإهمال لدمشق وبالاً علينا، فلم نعد نستطيع التغني بنهرها ولا بياسمينها، وودعنا غناء فيروز وقصائد نزار.