عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

تداعيات.. الحكومة والمواطن

ترى ما هي المفردة الأكثر تداولاً بين السوريين بهذه الفترة؟ سؤال تبادر لذهني عندما لفت نظري مقال عن كلمة «تقشف» التي فازت بلقب كلمة العام 2010 في أمريكا، والسبب أنها كانت الكلمة الأكثر بحثاً من قبل الأمريكيين عن معناها في قواميس النت في ذاك العام، كونها ارتبطت بالأزمة الاقتصادية التي مسّت حياة الأمريكيين مباشرة.

 

ومن دون أن أخوض بالأزمة السورية وتداعياتها، أزعم أن أكثر مفردة يتم التداول بها والبحث عنها هي «سعر الصرف»، حيث بات السوري يبدأ نهاره بمواجهة الأسعار الكاوية التي أصبحت مرتبطة بهذا السعر، بعيداً عن أي اصطفاف يمكن أن يكون فيه، أو من أية شريحة اجتماعية كانت، وذلك كون هذه المفردة هي الأعمق تأثيراً على حياتنا المعاشية اليومية، بتفاصيلها وحيثياتها كلها، كما بارتباطاتها وتشعباتها المستقبلية.

تداعٍ عفوي!

تداعي المفردة العفوي ربطني مباشرة بالحكومة وإجراءاتها، وبالمصرف المركزي ودوره، والتصريحات التي يصدعون رؤوسنا بها كل فترة حفاظاً على القيمة الشرائية ومنعاً من تذبذب الأسعار في السوق، الأمر الذي لم نلمسه على الإطلاق طيلة السنوات المنصرمة من عمر أزمتنا، حتى تجاوز سعر الصرف عتبة الـ 600 ليرة، ولعل التصريح الأكثر طرافة هو أن يعزي المركزي سبب ارتفاع سعر الصرف إلى حملات الإعلام، وكأن المركزي يعيش في عالم افتراضي بعيداً عن حياتنا وكوابيسنا التي نعيشها يومياً، على إيقاع ارتفاع الأسعار، كما على إيقاع الحرب.

أجورنا وهم افتراضي

وفي السياق نفسه يمكن أن نقول للحكومة بأن أجورنا هي التي باتت جزءاً من العالم الافتراضي، فهي لم تعد إلا وهماً بالكاد نلمسه ببداية الشهر لنبحث عنه ولا نجده، وذلك في ارتباط مباشر مع الإجراءات التي تمارسها تحت مسمى دورها في دعم صمودنا، وعن أي صمود تتحدث؟ بتنا نتمنى فعلاً أن يكون للطعام الافتراضي دوراً حقيقياً في إسكات عصافير بطوننا وبطون أبنائنا، أو عسى كلمات الحكومة وتصريحاتها تكون بديلاً عن الحاجات الضرورية للحياة لكُنا اكتفينا وأُتخمنا بها!.

تشجيع حكومي خلبي

الأنكى من ذلك هي التصريحات الحكومية الخلبية التي تؤكد على دور الصحافة والإعلام، وخاصة على مستوى مكافحة الفساد، والتأكيد على أهمية دور الصحافة الاستقصائية بهذا المجال، وفي الوقت نفسه تصدر تعميماً إلى الجهات العامة كافة «بعدم تزويد أية جهة حكومية أو غير حكومية والمراكز البحثية والباحثين بأية بيانات إحصائية قبل تدقيقها والمصادقة عليها من المكتب المركزي للإحصاء»، أي ضمناً دخل الإعلام بهذا الحيز من المنع دون ذكره مباشرة، فهل من تضليل يمكن أن يمارس بشكل أوضح من ذلك، فعن أية صحافة استقصائية تتحدث الحكومة وتشجع عليها؟! ونتساءل عن تاريخ آخر بيانات إحصائية صدرت عن المكتب المركزي للإحصاء؟.

هل يمكن لأحد أن ينتصر على الوطن؟

كنا نقول أن من واجب الحكومة أن تدعم المواطن من أجل الحفاظ على الدولة والوطن بظل الحرب والأزمة، وحتى الآن يمكننا القول أن الحكومة أعلنت انتصار الفاسدين وكبار التجار والمستوردين وتجار الأزمة على المواطن بالضربة القاضية عبر سياسة سعر الصرف والسياسات الاقتصادية الليبرالية الأخرى التي جوعتنا وعرتنا لحساب ومصلحة هؤلاء، اعتباراً من بوابة عقلنة الدعم وتصحيح الأسعار، وليس انتهاءً بقانون التشاركية، والخشية أن يتم الإعلان عن انتصار هؤلاء على الدولة، وعلى الوطن لاحقاً.

فهل من عاقل يرضى بأن ينتصر أحد على الوطن؟!

يلعن أبو الدولار ع أبو أمريكا وين كنا ووين صرنا.. سامحونا.. كلها تداعيات ع الورق...!