6 سنوات لتأهيل عدة أمتار...  حديقة السبكي قد «تدخل تاريخ سورية المعاصر» نتيجة الاهمال

6 سنوات لتأهيل عدة أمتار... حديقة السبكي قد «تدخل تاريخ سورية المعاصر» نتيجة الاهمال

حتى اليوم ومنذ سنوات، لايزال التعتيم والتسويف سيد الموقف. فرغم وضع محافظة دمشق يدها على حديقة السبكي وسط دمشق بداية العام الماضي، إلا أنها وحتى اليوم لم تنجز ما أعلنت عنه، وبدت تصرفاتها تثير التساؤلات بهذا الخصوص.

مازال حال الحديقة مزرياً، ولم تكتمل الأعمال المزمعة بعد، و«اقتربت قصتها من دخول التاريخ السوري المعاصر حالها حال مجمع يلبغا في ساحة المرجة» على حد تعبير أحد سكان منطقة الشعلان الذي ضاق ذرعاً من شكل الحديقة «غير الحضاري».

 محافظة دمشق كشفت ربما عن ارتباكها بكيفية إعادة تأهيل الحديقة التي «هرب» مستثمرها لأسباب ما زالت محط جدل حتى اليوم، فقد استنجدت بكلية الهندسة المعمارية لوضع مخططات تأهيل في بداية العام الحالي، ما يشير إلى أن إتمام العملية قد يأخذ وقتاً طويلاً جداً، يستمر لسنوات أخرى قادمة.

طلاب يشاركون بالتأهيل

بدأت المساعي لاستجرار مخططات من طلاب الهندسة المعمارية، ربما في محاولة للتهرب من تكاليف المهندسين التخصصيين، مع افتتاح كلية الهندسة المعمارية في جامعة دمشق بداية العام الجاري معرضاً ضم مخططات وتصميمات نفذها طلاب لإعادة تأهيل حديقة السبكي، بعد انتهاء ورشة عمل انطلقت الصيف الماضي وتناولت موضوع إعادة تأهيل حديقة السبكي في دمشق.

توقيت ورشة العمل تقريباً تزامن مع إعلان محافظة دمشق رغبتها بتأهيل الحديقة بنفسها عبر مديرياتها، بعد فشل تجربة الاستثمارات، أي أن الحديقة حالياً محط تجارب المحافظة.

وزيرة الدولة لشؤون البيئة نظيرة سركيس، وعميد كلية الهندسة المعمارية بجامعة دمشق وعدد من المعنيين في الكلية ومحافظة دمشق بحثوا نهاية الشهر الأول من العام الجاري، سبل التعاون في تأهيل حديقة السبكي عبر ما قدمه طلاب الكلية من نماذج إعادة التأهيل.

3 جهات تشارك بالتأهيل

عميد كلية الهندسة المعمارية، سلمان محمود، تحدث حينها عن مشروع الطلاب لإعادة تأهيل حديقة السبكي من حيث التخطيط والتنفيذ، في حين عرضت نتاليا عطفة، رئيس قسم التخطيط والبيئة في الكلية، الدراسة التصميمية والغطاء النباتي للحديقة والمداخلات البيئية إضافة الى دراسة الفرش العمراني للحديقة.

محافظة دمشق اعتبرت الطرح المقدم، «سيمثل نموذجاً يعمم على كل الحدائق في المرحلة المقبلة»، وكيف لا وقد اجتمعت 3 جهات لإعادة تأهيل بضعة أمتار في دمشق.

«ربما حكم على المشروع بالفشل، وسيكون وسيلة للربح من قبل بعض المستفيدين، لذلك سيمتد مشروع السبكي لسنوات أخرى لتكديس ثرواتهم، تماماً كما امتدت الأزمة، ومن الخطير جداً تعميم النموذج بالقائمين عليه ذاتهم، على حدائق دمشق جميعها» بحسب نزار وهو أحد سكان الشعلان.

وتابع «يجبرونك للمطالبة بتدخل القطاع الخاص بهذه المسائل، بعد أن تكون أموال الدولة قد هدرت وسرقت، دون أي تقدم يذكر، وحينها يكون الخيار المتاح محدود، وهم مستثمرون منتظرون كانوا السبب الخفي وراء ذلك الوقت الضائع كله».

محولات الكهرباء هي السبب!

محافظة دمشق تقول إن العقبات والصعوبات التي تعترض عملها وتحول دون إتمام المشروع، «هي وجود مركز تحويل كهرباء في الحديقة، حيث تم العمل على تأمين مركزين مطمورين تحت الأرض وتخصصيهما لهذه المحولات، إلا أن عملية نقل المحولات حاليا هي عائق بين المحافظة ووزارة الكهرباء» على حد تعبير مدير الإشراف في المحافظة علي الحلباوي.

الحلباوي رفض تحميل وزارة الكهرباء وحدها مسؤولية التأخير، قائلاً إن الأخيرة «لديها أولويات أكثر أهمية»، وأضاف في تصريحات سابقة بداية العام، إنه «خلال أيام قليلة سيتم تحديد موعد الانتهاء من إعادة التأهيل»، مالم يتم حتى اليوم.

صحيفة قاسيون، كانت قد نشرت تحقيقاً سابقاً، عن القضية، وفندت خلاله تصريحات محافظة دمشق منذ عام 2010 وحتى عام 2015، وكشفت التناقضات والجهات التي عملت على المشروع وانسحبت، وكأن شيئاً ما خطط لهذه الحديقة.

 أواخر عام 2015، نفت محافظة دمشق كل تصريحاتها السابقة، حيث قامت بإلغاء أمور عدة ضمن بنود العقود السابقة، ومنها المرآب المأجور الذي طرحت الحدائق للاستثمار بالأساس لأجله، إضافة إلى المطعم الذي أضيف على عقد الاستثمار لاحقاً، مدعيةً أن «فكرة إنشاء المرآب كانت واردة في البداية لكن تم استبعادها لاحقاً، أما المطعم فهو غير مطروح بالأساس ضمن المشروع».

المحافظة التي أعلنت استثمارها للمشروع عبر مديرياتها دون شريك بعد ست سنوات من أول طرح للاستثمار، تركت المجال مفتوحاً في المستقبل لافتتاح مطعم خاص عبر أحد المستثمرين الخاصين، يقول الحلباوي تشرين الثاني العام الماضي إنه «من الممكن منح رخص استثمارات طارئة فيما بعد»، محدداً نهاية العام موعداً لانتهاء الأعمال في مشروع التأهيل، إلا أن ذلك لم يتم حتى اليوم.

مشروع كمالي لا فائدة منه

الحلباوي أشار إلى تعديلات قامت بها المحافظة العام الماضي على المخطط، قائلاً: إنه «تمت الاستفادة من تأخر الدراسة، بحيث تم لحظ عدة أمور منها إيجاد دورات مياه مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، وتأهيل بحيرات المياه والبط، وإنشاء مضمار للمسنين، ومساحة تزلج للشباب، إضافة لألعاب مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، وكلها غير مأجورة»، ما يشير إلى تحول المشروع إلى كماليات، بعد أن كانت الغاية الأساسية منه هي المرآب الطابقي.

الحلباوي ذاته وضع العام الماضي أمور تطوير المشروع و«القفزات السعرية» سبباً لتعطل الأعمال لسنوات، في إشارة إلى هروب المستثمر، عاد العام الحالي ليضع أسباباً جديدة لها علاقة بنقل محولات كهرباء، ما يعتبر سبباً غير منطقي لتأخير تأهيل حديقة عامة، مازالت مخططات تأهيلها تدرس في كلية الهندسة المعمارية.

مدة تنفيذ العقد بداية عام 2011  كانت متوقعة  خلال 180 يوماً بقيمة 80 مليون ليرة سورية، إلا أن الاستثمار فشل منذ حوالي 8 أشهر سابقة، بغض النظر عن الرواية الصحيحة سواء كان المستثمر هرب نتيجة تعديل السعر وتعديلات أخرى على بنود العقد، أو أن المحافظة فسخت العقد معه نتيجة «القفزات السعرية»، إلا أن النتيجة هي أن المحافظة ليست بأفضل من ذلك المستثمر، الذي بقي عقد الحديقة بعهدته حوالي 5 سنوات دون مساءلة، وهي اليوم تكمل مسيرة الفشل اليوم.

المستثمر الخفي

وفي أيار العام الماضي، خرج عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق فيصل سرور، ليؤكد أنه تم توقيع عقد مع مؤسسة الإسكان العسكرية لاستكمال تأهيل حديقة السبكي،  مع العلم أن العقد يتضمن تزويد الحديقة بألعاب للأطفال وإقامة مطعم صغير وإنشاء مرآب طابقي وقبو تحت الأرض، مؤكداً أن المحافظة قامت مؤخراً  بترحيل الأتربة من الحديقة لإعداد المشروع، علماً أن الأتربة حينها بقيت في مكانها.

وأكد أن العقد المبرم مع أحد المستثمرين، تم فسخه بسبب سفر المتعهد إلى خارج سورية من دون سابق إنذار وتتم حالياً ملاحقته قضائياً وتم توقيع عقد جديد مع مؤسسة الإسكان العسكرية لاستكمال تأهيل الحديقة.

هنا تبين أن العقد مع ذلك المستثمر تضمن عدة إضافات عن أول طرح للمشروع، منها مطعم صغير، ما يعني أن الحديقة ستتحول من حديقة عامة إلى خاصة تقريباً، لكن لم تبرر محافظة دمشق حينها، تعليق أعمال الإنجاز المحددة بالعقد بـ 180 يوماً التي انتهت ولم ينته مشروع تأهيل الحديقة، واستمر الحال المزري للحديقة حتى يومنا هذا، ليتم الإعلان عن هروب المستثمر منتصف 2015!.

المثير بالقضية حتى تاريخ اليوم، هو أحجية المستثمر المجهول، فرغم إعلان سرور العام الماضي عن فسخ العقد معه لأنه هرب، إلا أن الحلباوي أكد بداية العام أن المحافظة تتعاقد مع المستثمر ذاته بعدة مشاريع، وما حدث هو فسخ العقد الخاص بحديقة السبكي ومن قبل المحافظة، والسبب هو «القفزات السعرية» على حد تعبيره، مؤكداً «لدى المحافظة حالياً مشاريع باسم المتعهد ولم يتم فسخها، وهذا يؤكد أنه لم يهرب».

فمن هو هذا المستثمر الذي أوقف تأهيل حديقة مساحتها بضعة أمتار منذ 6 سنوات في قلب العاصمة، ولديه مشاريع عدة أخرى في البلاد، وهو خارجها؟.

سؤال يفتح أبواب التأويل والتفسير، كما يوجب التقصي عن بوابات الفساد التي يسوّف ويؤجل من خلالها إعادة تأهيل الحديقة منذ سنين، من أجل إغلاقها ومحاسبة العابرين من خلالها والمستفيدين منها، إن وجدت!.