كيف يمكن تجنب التدخل الخارجي؟
يرى الغيورون على صالح الوطن أنّ التدخل العسكري الخارجي سيكلف غالياً؛ ففضلاً عن أنّه سيدمر البنية التحتية، والمقدرات العسكرية للبلاد، والتي دفعت أجيال متتابعة من دمائها وعرقها ثمناًلبنائها، ومن الصعب إعادة بنائها، ويعيد بلدنا عقوداً إلى الوراء، فإنّه سيخلف ضحايا بشرية بريئة، وسيخلق حالة تحتاج إلى أجيال وأجيال لإصلاحها... من هنا تعلو أصوات العقل منادية بمعالجة الأزمةالتي تعيشها سورية سلمياً، مهما تطلب ذلك من تضحيات ذاتية، ووضع مصلحة الوطن والشعب فوق كل مصلحة ذاتية عند الجميع، علماً بأنّ هذه الأزمة لن تنتهي إلاّ بتغيير البنية السياسية السائدة،ومحاسبتها، ومحاسبة من قاد البلاد إلى هذه الحالة التي قد تؤدي إلى تدمير مقدراتها، وإلى التدخل الخارجي...
وتدغدغ البعض آمال بأن التدخل الخارجي أصبح وراءنا، خاصة بعد استخدام روسيا والصين حق النقض في مجلس الأمن في أوائل شباط الجاري لتعطيل القرار الخاص بسورية... لكنّ كثيرين منالمفكرين العالميين يرون غير ذلك، ونظراً لأهمية هذه المسألة رأيت ترجمة المقابلة التي أجرتها صحيفة برافدا الروسية مع المفكر السياسي الألماني المعروف ألكسندر رار ونشرتها على موقعهاالإلكتروني «Правде.Ру» بتاريخ 6/2/2012، تحت عنوان: «رار: التدخل في سورية يكاد يكون حتمياً»... علماً بأنّ نشر هذه المقالة ليس دلالة على تبني جميع الأفكار الواردة فيها، إنما لإعادة دقناقوس الخطر، علّه يوقظ العقل، ويعيد العضلات إلى مكانها؛ وإليكم ترجمة المقابلة:
«عطلت روسيا والصين في مجلس الأمن مشروع القرار الخاص بسورية، الذي يطالب بتنحية بشار الأسد. وبعد ذلك مباشرة تعامل ممثلو الدول الغربية الرسميون، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكيةبعصبية. وظهرت تعليقات تقول إنّ: «عضوي مجلس الأمن الدائمين روسيا والصين يستهتران ويسيئان استخدام حقهما بالنقض في مجلس الأمن». بكلام آخر تؤكد هذه التقييمات أن الغرب لا يعدهماطرفين متكافئين لمناقشة مثل هذه المسألة الهامة، أي المسألة السورية.
• كيف سيتصرف أعداء الأسد في هذه الحالة؟ وهل يمكن تكرار الحالة اليوغسلافية، والعراقية، عندما بصقت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها على مجلس الأمن، واعتدت عليهما؟
شاركنا الرأي في لقاء مع «برافدا.رو» المفكر السياسي المعروف، المشارك في مكاتب السلطة للنخبة الغربية، وعضو المجلس الألماني للسياسة الخارجية ألكسندر رار:
عند الحديث عن سورية من الضروري الأخذ بعين الاعتبار حقيقة أننا نتعامل ليس مع حالة فردية، بل مع عملية تغيير النظام العالمي على الكرة الأرضية بكاملها، بدءاً من عام 1999 بعد أحداثكوسوفو وحرب الناتو ضد يوغسلافيا. وقد حصل في ذلك الحين أول خرق جدي للنظام العالمي، عندما «تجاهل» حلف الناتو وجود تلك الهيئة، أي مجلس الأمن، واعتمد قرار «القصف الإنساني لحمايةسكان كوسوفو». لاحقاً، وبعد معاقبة ميلوزوفيتش، حلت الحرب على العراق وإسقاط صدام حسين، والآن يحل «الربيع العربي»، بتنحي مبارك، والقضاء على نظام القذافي في ليبيا. والآن جاء دورسورية.
• كيف تتصور النخبة السياسية الغربية «سورية من غير الأسد»؟
إنها لا تأخذ، مع الأسف، كثيراً من النقاط الهامة بعين الاعتبار. يوجد خطر أن تدخل البلاد والمنطقة، بعد إسقاط النظام الحالي، في حرب أهلية دموية بين الشيعة والسنة، ويبدو العلويون والمسيحيونقلقين جداً من هذه الحالة. أما في الغرب فتوجد ثقة بأنّ الشعب السوري اختار طريقه إلى الديمقراطية لصالح تلك القيم التي تحكم الغرب نفسه. والنخبة الغربية ستسير إلى النهاية لبناء «العالم العادلالكبير».
ولن يوقفها ما حصل في ليبيا بعد سقوط القذافي. كثيرون في الغرب واثقون من أنّ «الطبقة الوسطى»، و«الناس المتعلمين» هم من سيحسم الأمر في سورية، وسيستطيعون في ظل الديمقراطية معالجةجميع التناقضات. بكلام آخر توجد ثقة غير مؤكدة بأنّ السوريين سيختارون المال والرفاهية.
• أية شروط تجعل الأسد يحافظ على السلطة؟
سورية حجر الزاوية في العالم الذي يبنيه الغرب، ولن يدعوها بأمان. لقد تم اجتياز نهر روبيكون، وشرط الغرب تنحي الرئيس السوري. تشير النخبة السياسية الغربية إلى أنّه أهدر الكثير من دماء أبناءشعبه، ولم يعد بالإمكان الحوار معه.
• اشتكى الرئيس السوري في لقاء مع مراسل «برافدا.رو» في 24 كانون الثاني (يناير) من أنّ سورية أصبحت ضحية مؤامرة لأنّها تعد حليفة لروسيا...
العامل الروسي هنا ثانوي. هل يمكن أن يخيف الناتو موقع عسكري وحيد في طرطوس، والذي لا يعد قاعدة عسكرية متكاملة، وحيث لا وجود دائم للأسطول الحربي الروسي؟ ولا يدل مستوى التعاملالمتبادل بين روسيا وسورية لا في المجال السياسي، ولا الاقتصادي على أنّ الحلف الذي كان موجوداً بين موسكو ودمشق في زمن الاتحاد السوفيتي مازال قائماً. أما شكوى الأسد فهي مفهومة: فإيرانالحليف الحقيقي الوحيد لسورية، تهددها مخاطر جمة، أما الصين فبعيدة جداً. ويبقى الأمل معلقاً على العلاقات القديمة مع موسكو. علماً بأنّ ذلك لن يوقف الأمريكان. فقد شطبت الولايات المتحدةالأمريكية عملياً روسيا من قائمة الدول العظمى، وهي ليست مستعدة للاستماع إليها. خذوا مثلاً تصرفها عند إقامة منظومة الدرع الصاروخية.
• تسعى الصين، وروسيا بشكل خاص من وراء تصرفاتهما، لكي يعي الجميع أن السيناريو الليبي لن يمر هنا. فهل يصر الغرب على تجاهل رأي هاتين الدولتين العظميين؟
تذكروا حالة العراق. وقفت روسيا عندئذ ضد تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، ووجدت (روسيا) دعماً جدياً تمثل في ألمانيا وفرنسا. لقد كان الغرب مقسوماً عملياً حيال المسألة العراقية. علماًبأنّ أغلبية الدول الأوربية امتنعت عن المشاركة في تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى. وحتى في الوقت الذي وقفت فيه روسيا مدعومة دعماً قوياً، لم يستمعوا إليها، وتكررت سابقةتوجيه ضربة إلى دولة أخرى بالالتفاف على مجلس الأمن. والآن، وخلافاً لحالة العراق، الغرب موحد. هل يمكن الافتراض جدياً أن أعداء الأسد الكثيرين سيعيرون انتباهاً لرفض روسيا والصين؟
فضلاً عن وجود ثقة بينة وجلية في الغرب بأنّ تأثير موسكو في سورية سيكون محدوداً، وهي لن ترغب في المحصلة بمخاصمة لا بروكسل ولا واشنطن، خوفاً من العزلة. يثق الكثيرون من نخبةالساسة الغربيين بأن تصرف روسيا بشأن سورية نابع من رؤية العالم كما كان في القرن العشرين إبان وجود الاتحاد السوفيتي. علماً بأننا على أبواب القرن الواحد والعشرين، وتغير الوضع كثيراً،وستضطر موسكو عاجلاً أم آجلاً إلى أخذ هذه الحقائق بعين الاعتبار. وإذا عاندت، فسيثبتون لها مرة أخرى، أنّه يمكن تجاهلها، وعدم الاكتراث لوجهة نظرها، كما حصل سابقاً. وحتى الآن يوجد أملفي أنّ سلوك روسيا المشاكس نابع من ضرورات الانتخابات المقبلة، ويمكن أن يتغير الحال بعدها.
• أي إنّ مسألة التدخل في سورية أمر محسوم؟
عملياً، الأمر كذلك، على الرغم من أنّ أحداَ لا يتحدث عن ذلك علانية حتى الآن. لكن ذلك يكاد يكون حتمياً. بعد أن عطلت روسيا والصين القرار بشأن سورية، لم تعد لدى الغرب خيارات غير القوة.من البديهي أن العقوبات الاقتصادية تتحدث عن نفسها، لكن من غير المحتمل أن تكون وحدها قادرة على إسقاط نظام الأسد بسرعة، الذي يستمر في قمع الاحتجاجات الشعبية. وبالتالي، فالتدخلالعسكري يعد استمرارية منطقية للعملية التي بدأت. واستناداً إلى جميع المعطيات، فإنّ الغرب وبمساعدة الجامعة العربية سيعزز من مساعدته للمنتفضين، ومن المحتمل أن تحصل مشاركة محدودةلوحدات خاصة في عمليات ضد نظام الأسد. ويجب أن يصل الأمر في نهاية المطاف إلى القصف. الفكرة الرئيسية ـ «إزالة الدكتاتور!».
• لكن سورية خصم أكثر جدية من ليبيا؟
بالتأكيد، ولن يتم هنا تكرار السيناريو الليبي تماماً. اعتمدت قيادة الناتو عند بدء العملية ضد القذافي على ضعف الجيش الليبي. أما في سورية فالوضع مختلف، ونظام الأسد أكثر قوة من الناحيةالعسكرية. لكن، أولاً، هو يضعف يومياً نتيجة العقوبات. وثانياً، يجب عدم نسيان أن قوى الحلف أكبر بكثير. وثالثاً، يجب عدم تجاهل الدول العربية، التي يقف أغلبها مع إسقاط الأسد. ورابعاً، منالضروري تذكر أن العراق (في عام 1991، وفي عام 2003) بدا للوهلة الأولى من الناحية العسكرية يشكل خطراً جدياً. لكن نظام حسين خسر هاتين الحملتين، وتم تفكيكه.
إن دواعي الشك القائلة بعدم إمكانية حصول سيناريو القوة في سورية غير مقنعة تماماً. من الضروري للغرب الآن، وبأي ثمن أن ينتصر النموذج الليبرالي الذي يريدون تجديده وتعزيزه، بما في ذلكعن طريق إسقاط الأنظمة الدكتاتورية.
سيرغي بالماسوف».. (انتهى نص المقابلة).
أكرر بأنني قمت بترجمة ونشر هذه المقابلة، نظراً لرؤية الخطر المحدق بالوطن، وحرصاً على ضرورة العمل جدياً لمعالجة الأزمة التي تعيشها بلادنا، داخلياً وتلافياً للتدخل العسكري الخارجي... علماًبأنّ المخرج الوحيد الذي يتفق عليه جميع الغيورين على الوطن هو التغيير السياسي، كما أسلفت، والذي يقود إلى دولة مدنية ديمقراطية عصرية، وعلى السوريين أنفسهم إنجاز هذه المسألة المصيرية...مع عدم تجاهل مواقف الكثيرين ممن يتربصون بسورية، ويريدون تدميرها وإعادتها ضعيفة متخلفة عقوداً إلى الوراء... ولا يفيدنا الاحتماء بهذا الفيتو أو ذاك، وربمّا من المفيد التذكير بأنّ رئيسيوغسلافيا ميلوزوفيتش طلب رسمياً الاتحاد مع روسيا إبان الهجوم الغربي على يوغسلافيا، (على اعتبار الشعب الصربي والروسي من أصل سلافي واحد)، ولم يحم ذلك الاتحاد يوغسلافيا منالقصف والتدمير.
فهلا، انتصر صوت العقل!