تحذير
  • JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 177
هل العيش في المدن المحاصرة اختيار..؟

هل العيش في المدن المحاصرة اختيار..؟

لا توجد مدينة أو بلدة أو قرية خرج منها سكانها في الحرب السورية الدائرة، إلا وكانوا مجبرين على ذلك، فالقصف الذي كان من الأطراف المتقاتلة كافة أجبر المواطنين على الخروج من منازلهم ومدنهم، دون التفكير بأن عدداً كبيراً منهم لن يعود إلى تلك المدن. 

شهادات

مخيم اليرموك من أوائل المدن التي وقعت تحت الحصار في العام الثاني من عمر الحرب السورية، لم يكن يخطر ببال أحد أن أيام الحرب ستطول، فمعظم من خرج من المخيم، أو أية مدينة أخرى، كان لسان حاله يقول: كلها يومين وبنرجع. 

فاطمة. ع. من سكان مخيم اليرموك، تقول: ولدت وتزوجت وأنجبت أبنائي في مخيم اليرموك، ولدي منزلان هناك ومحل تجاري، خفت على أبنائي من الأعمال القتالية التي كانت دائرة في المخيم لذلك خرجت، لكن والدي الذي هو في الأصل من أبناء الجولان السوري المحتل رفض الخروج، وقال: لن أكرر غلطتي الأولى؛ عندما خرجنا من الجولان على أساس كم يوم وبنرجع، لذلك بقي ابني مع والدي، في البداية كنا ندخل ونخرج إلى المخيم، وكنت أٌدخل كميات قليلة جداً من الطعام لوالدي وابني، الذي رفض الخروج بعد أن شاهد السرقات التي تطال المنازل الخالية من سكانها، لكن عندما اشتد الحصار فقد والدي وابني الطعام، ولم يعد في حوزتهم مال كي يشتروا الطعام أو الدواء، وبعد سنة تمكنا من الخروج سيراً على الأقدام ودفعنا رشاوى لأشخاص في اللجان الموجودة داخل المخيم، كي يخرجوا بسبب الوضع الصحي المتدهور لوالدي، الذي توفي بعد خمسة عشر يوماً من خروجه، لأن وضعه الصحي كان سيئاً، وابني إلى اليوم ما زال يعاني من اضطرابات غذائية. 

نعم سرقت 

لا ينكر خالد؛ أنه قام بخلع أبواب جيرانه والدخول إليها وسرقة محتوياتها.

ويقول: أخرجت زوجتي وأبنائي إلى خارج حيينا في مدينة حلب، أنا أعمل نجاراً ومنزلي ومحلي هما كل ما أملك في الدنيا، لذلك قررت البقاء فيهما ريثما تهدأ المعارك، تمكنت من الصمود مدة شهرين، حيث اعتمدت على المؤن المخزنة داخل منزلنا وكنت أطعم من تبقى من جيراني، لكن المؤن نفذت، ولم يكن يسمح لدخول فرق المساعدة إلى حينا، فقررت الدخول إلى منزل جارنا وأخذ ما لديه من مؤن، فهي كانت ستتلف بكل الأحوال، هذا مبرر كنت أضعه لنفسي، في كل مرة أدخل فيها الى منزل جار من الجيران، بعد سنة لم يتبق مؤن في المنازل المجاورة، واضطررننا لبيع الأثاث والثياب من منزلي ومن منازل الجيران، كي أتمكن من تأمين ثمن الطعام.

عدد كبير ممن بقي في المدن المحاصرة لحماية ممتلكاته، اضطرته الظروف القاسية للحصار للتحول من شخص يحمي المكان، إلى إنسان يبع أي شيء في سبيل الحصول على الدواء والطعام.

إلى أين؟

تسكن جمانة في أحد الأحياء الحمصية الأمنة المجاورة لحيها المحاصر، تقول جمانة: والدي رجل متقاعد، لا يملك سوى راتبه التقاعدي وما يرسله إخوتي من الخارج، خرج مع بداية الحصار عندما خرجنا، لكنه لم يتمكن من دفع تكاليف الآجار المرتفعة، وشراء أثاث وأغراض يملكها مسبقا، لذلك فضل العودة إلى منزله. 

من لم يخرج من منزله في أي من المدن والقرى المحاصرة لم يكن يملك خيارات كثيرة فالموت كان سيلاقيهم، سواء كانوا في الداخل أو في خارج مدنهم، عدد كبير منهم لا يملك منزلاً أو عملاً خارج مدنهم، فهو إن خرج سيتحول إلى متسول دون مأوى أو عمل أو طعام، وإن بقي بات الجوع والخوف يهدد حياته يومياً.

تجار الأزمات

أفضل مكان ستجد فيه تجار الأزمات؛ هو أبواب المدن والبلدات المحاصرة، فلهؤلاء الحضور الأبرز هناك.

رجال وحتى نساء خولتهم الأزمة أن يمتلكوا زمام الأمور، فهم لديهم أسماء المطلوبين، وهم يتحكمون بالحصص الغذائية وإلى من ستصل، من سيخرج ومن سيدخل، وكله بثمنه، تختلف تسميتهم من مدينة إلى أخرى حسب الجهة التي تسيطر، فمرة هم من الحسبة سواء في دير الزور أو الرقة، ومرة هم من بعض الجهات الرسمية في أماكن أخرى.

اقتصاد الحصار

أرخص سلعة تباع في المدن المحاصرة؛ هي الحجارة فالمنازل لا قيمة لها، بعد أن بات الدمار مصيرها، فإذا لم تهبط نتيجة القصف، فهي باتت مخلخلة غير صالحة للسكن، لذلك قد تجد من يبيع منزله مقابل كرتونة من مساعدات غذائية.

سجلت أسعار المواد الغذائية والأدوية داخل المدن المحاصرة أرقاماً خيالية، حيث بيع كيلو الأرز بأكثر من عشرة آلاف ليرة في مخيم اليرموك، ووصل سعر ربطة الخبز إلى رقم خيالي في دير الزور، أما اسطوانة الغاز فقد بيعت بأربعة عشر ألف ليرة في الغوطة الشرقية، ووصل ليتر الماء إلى أكثر من خمسة آلاف ليرة سورية في حلب.

هذه الأسعار هي عينة بسيطة مما يتم تداوله في الأماكن المحاصرة، كالرقة ودير الزور والغوطة ومخيم اليرموك وغيرها من المدن السورية.

محاولات بائسة

التدخل من قبل جهات إغاثية كان ينجح مرة ويفشل مرات عديدة، حيث ينكر المحاصرون الدور الإنساني لهذه المنظمات، وغالباً ما كان يتم اتهام عناصر هذه المؤسسات، كالهلال الأحمر والصليب الأحمر وغيرها من منظمات إنسانية، بالعمالة للطرف الثاني، مع الإشارة إلى دعوة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، الأطراف المتحاربة في سورية، السماح للمنظمات الإنسانية بالوصول إلى سكان البلاد جميعهم، وخاصة لأولئك الذين في المناطق المحاصرة، ولكن ما من مجيب!.

دور الهدن والمصالحات

يساعد على الحل السياسي

هناك عدد كبير من الهدن والمصالحات، في الكثير من المناطق، المشهد الأكبر في البداية كان يرفض إقامة مثل هذه المصالحات، من مبدأ لا نسامح لا نصالح، لكن بعد مضي عدد من السنوات، بات الناس سواءً داخل المدن المحاصرة أو خارجها، يطالبون بإقامه الصلح، كي يعود الجميع الى منازلهم، مع محاسبة من أخطأ من الأطراف كافة، مما يساعد عملياً على التهدئة في تلك المناطق، ويخلق الظروف الموضوعية المناسبة للمساعدة على نضوج الحل السياسي العام بالنهاية.