طلاق الأزمة النسيج الاجتماعي السوري مهدَّد
تحاول ميسم، التي لا تعرف شيئاً عن زوجها منذ ثلاث سنوات، أن تحصل على الطلاق دون جدوى. بعد أن فقدت زوجها الذي قطنت معه في بلدة بيت سحم خلال الأحداث، لا تعلم حتى اليوم إن كان حياً أو ميتاً، فيما اصطدمت كل محاولاتها لطلب الطلاق قضائياً، إثر حاجتها الجدية للزواج، بجدار التسويف والشروط التعجيزية..
على الرغم من أن أسباب الطلاق بين الأزواج في الأزمة قد أخذت شكلاً مختلفاً عما قبلها، إلا أن الوضع المادي بقي هو سيد الموقف. هجرت عبير برفقة زوجها عماد وعائلته، من منازلهم في بلدة دوما (ريف دمشق)، واضطروا للسكن ثمانية أفراد، في بيتٍ واحد مؤلف من ثلاث غرف وصالة في عشوائيات دمشق.
«بقينا ننتظر حتى تفرج، لكننا سئمنا الانتظار. لا يمكنني العيش مع حماتي وبناتها في منزلٍ واحد، لا أستطيع أن أتحمل كلامهم وتصرفاتهم قبل العيش في منزل واحد، فكيف الحال في منزل واحد وضيقة مادية؟» تقول عبير، وتضيف في حديثٍ لـ«قاسيون»: «بعد أن سئمت من محاولة الخروج للسكن في منزل مستقل مع زوجي وطفلنا، طلبت الطلاق. أريد أن أعيش وطفلي حياة كريمة، فزوجي لا يعمل إلا بالصدفة، خسرنا محلنا في الريف، واليوم هو عاجز عن إعادة فتح محل آخر، وهذا يعني أنه من المستحيل أن نعيش بكرامة».
مشاريع فاشلة وخلافات مادية
الضيقة المالية التي أوصلت نسمة للطلاق، ذهبت بسهام إلى النتيجة ذاتها، لكن بقصة مختلفة. تزوَّج سهام وعمار بعد قصة حب جمعتهما على هامش عملهما بالمجال نفسه، وهو تدريس اللغة الإنكليزية. وخلال حياتهما الزوجية، أنجبا طفلاً واحداً، وفكرا بمشروع مالي خاص بهما، حيث كمنت لهما المشاكل.
«العمل في مجال التدريس يسرق الوقت، وقد لا أستطيع الجلوس مع ابني أكثر من 4 ساعات في اليوم» يقول عمار، مشيراً إلى أنه «خلال الأزمة الأخيرة، هجرنا منزلنا في برزة، وقمنا باستئجار منزل في منطقة الشعلان قرب عملنا. وهنا تطلب الأمر مني ومن زوجتي تكثيف العمل، حتى بتنا نعمل أكثر من 18 ساعة في اليوم، لتأمين متطلبات المنزل وتكاليف المربية».. وأردف: «بات التفكير بمشروع خاص، يلح أكثر علينا، كل المقومات موجودة، واستطعنا الحصول على ترخيص معهد خاص بالتشارك مع صديقين آخرين، وهنا بدأت المشاكل تطفو على السطح، من حيث إهمال زوجتي للمنزل والطفل، لم أعد قادراً على التفاهم مع زوجتي نتيجة كثرة العمل، عدا عن خلافات مادية في المشروع هددت حياتي الأسرية.. ربما الأزمة الحالية غيرت النفوس، وساعات العمل الطويلة لتأمين حياة كريمة، خلقت شرخاً كبيراً في علاقتنا، حتى وصلت إلى مرحلة لم أعد أعرف بها شيئاً عن حياة زوجتي اليومية. وهنا كان الطلاق هو الخلاص الوحيد»، على حد تعبير عمار.
الطلاق: أرقام رسمية
تقول إحدى النساء ممن التقتهم «قاسيون»، مفضلة عدم الكشف عن اسمها: «يريدونني أن أبلغ زوجي كي يحضر جلسة محكمة للطلاق. كيف لي أن أحضره وأنا لا أعلم أين هو؟»، وتضيف: «بعد أن وصلنا لنتيجة بأن تبليغه شخصياً أمراً مستحيلاً، قالوا لي بأنهم سيبلغونه عبر الصحف الرسمية، فهل هذا معقول؟ أريد أن أقنعهم بأن زوجي غير معروف المكان، فكيف سأضمن قراءته لصحف رسمية لا نقرأها نحن في حالة السلم؟».
وهنا، أكد القاضي الشرعي الأول بدمشق، محمود المعراوي في حديث إذاعي، أن سبب التأخير بالبت في دعوى الطلاق ليس نتيجة تأخير من القاضي، وإنما يعود إلى أن الزوجة التي رفعت الدعوى لم تكن تحضر جلسات المحكمة، وبالتالي يتم شطب الجلسة التي لا تحضرها، مشدداً على أن: «سبب التأخير يعود أيضاً إلى قلة خبرة الزوجة المدعية فيما يخص موضوع التبليغات، وهناك حالتان تستطيع الزوجة من خلالها رفع دعوة طلاق، الأولى: أن يكون قد مضى على فقدان الزوج سنة كاملة، والثانية: تستطيع الزوجة رفع دعوى تفريق حتى بعد شهر من فقدان زوجها وذلك بسبب الضرر الذي تعرضت له الزوجة، بعد فقدان زوجها، إن انضم للمسلحين على سبيل المثال، حيث يتم إرسال تبليغ للزوج المفقود، إلى آخر مكان كان يتواجد فيه، وإن لم يحضر يتم تبليغه بالصحف الرسمية، وإن لم يحضر أيضاً يتم عقد الجلسة بدونه، وتحصل الزوجة على حكم الطلاق في فترة ما بين ستة أشهر إلى سنة». ويكشف المعراوي أن حالات الطلاق في دمشق بلغت عام 2014، 6500 حالة، والسنة التي قبلها 5200، والتي قبلها أيضاً 4100 حالة طلاق، وأن أكثر أسباب الطلاق خلال الأزمة الحالية، يعود للعامل الاقتصادي، حيث لم يعد الزوج ينفق على الزوجة في الأزمة، كما كان ينفق عليها قبل الأزمة، والسبب الآخر هو: إقامة عدة عائلات في البيت نفسه، مما يؤدي إلى نشوب خلافات عائلية.
وتشير العديد من الشكاوي التي وصلت إلى «قاسيون» إلى فترات أطول من ذلك، نتيجة تسويف بعض القضاة للدعاوى، عدا عن أنه من المستحيل إحضار أو تبليغ شخص مفقود نهائياً، أو حتى شخص انضم للمسلحين.
في العمق
في الإجابة عن سؤال حول أسباب تزايد نسب حالات الطلاق في ظل الأزمة، قال الباحث الاجتماعي م، ن لـ «قاسيون»: «يشهد المجتمع السوري تغييرات بنيوية تراجيدية في نسيجه السكاني، بما فيها العلاقات الأسرية منذ ما يقارب عقد من الزمن، ومنها ازدياد نسب الطلاق، التي استفحلت طرداً مع تفشي ثقافة المجتمع الاستهلاكي، في ظل التحولات الاقتصادية الاجتماعية التي شهدها هذا المجتمع، ومنظومة القيم الجديدة الوافدة مع هذه التحولات»، ويضيف: «جاءت ظروف الأزمة وتأثيراتها المباشرة لترفع النسبة إلى مستويات غير مسبوقة، جراء الغياب القسري، كالخطف والاعتقال، وتوسع دائرة الهجرة، والدمار الذي لحق بدور السكن، و تفشي الأمراض، والتشرد، والفقر غير المسبوق».. ويخلص الباحث: «نحن أمام ظاهرة قديمة- جديدة بسبب الوقائع التي أفرزتها الأزمة، والتي يأتي الطلاق نتيجة مباشرة لها، عدا عن النتائج اللاحقة غير المباشرة التي ستظهر ربما بعد عقد من الزمن.. إن تدمير العالم الروحي للإنسان السوري، لا يقل خطراً عن تدمير العالم المادي، وازدياد نسبة الطلاق بمثابة جرس إنذار آخر يستدعي إيقاف هذه الكارثة الانسانية».
فكرة طفل دمرت العائلة
نسمة، التي قضت الأزمة وهي تربي طفلتيها الصغيرتين، تؤكد أن «إلحاح زوجي لإنجاب طفل (صبي) بات يزداد بين الحين والآخر. كان يريد أن يكون لديه سنداً وشاباً يحمل اسمه إن قضى في الحرب.. مبرره كان واقعياً، لكن الواقع كان مأساوياً»، وتضيف: «إنجاب طفل لم يكن مرفوضاً تماماً بالنسبة لي قبل الأزمة، لكن الضائقة الاقتصادية التي باتت تعصف ببيتنا خلال سنوات الحرب، جعلتني أرفض هذه الفكرة نهائياً، خاصة وأنه لدينا طفلتان في المدرسة، وفي بعض الأشهر كنا نلجأ للدين كي نكمل حياتنا بأقل المتطلبات».
انتهت حياة نسمة مع زوجها بالطلاق، ووصلت المشكلة إلى طريق مسدود عندما اصطدمت بالوضع المادي الصعب. على ذلك تقول: «هو يؤمن بالخرافات. كان يكرر مقولة أن رزقة الولد تأتي معه، وفي الوقت ذاته، كنا نعاني من صعوبة في تأمين مستلزمات المدرسة للطفلتين.. اختصرنا اللحم والحلوى من المنزل، فكيف لي أن أنجب طفلاً وأنا لا استطيع أن ألبي له متطلباته؟ خاصة وأن تكاليف الولادة والشهور الأولى، قد تحتاج 10 أضعاف راتب زوجي».